فأغضب بذلك الشعب ذا النزعة الاستعمارية. وإذ كان جرمنكوس حفيد ماركس أنطونيوس فإن الذين كانوا لا يزالون يحلمون بإعادة الجمهورية قد اتخذوه رمزاً لقضيتهم، فلما أن نقله تيبيريوس إلى بلاد الشرق عد نصف أهل رومة هذا القائد الشاب شهيداً لحسب الزعيم، ولما أن فاجأ جرمنكوس المرض ومات ظنت رومة كلها أن الإمبراطور قد أمر بأن يدس له السم في الطعام (١٩)، واتهم بهذه الجريمة أكنيوس بيزو أحد الموظفين المعينين من قِبَل تيبيريوس في آسية الصغرى. وحاكمه مجلس الشيوخ، وأيقن الرجل أن مجلس الشيوخ سيدينه فانتحر لكي يحتفظ بأملاكه لأسرته. ولم تكشف المحاكمة عن شواهد تدل على ارتكاب تيبيريوس لهذه الجناية أو تثبت براءته منها، وكل ما نعرفه أنه طلب إلى مجلس الشيوخ أن يمكن بيزو من أن يحاكم محاكمة عادلة، وأن أنطونيا أم جرمنكوس ظلت إلى آخر أيام حياتها أخلص أصدقاء تيبيريوس (١١).
واضطر تيبيريوس أمام تدخل الجمهور الثائر المهتاج في هذه القضية المشهورة، والقصص البذيئة التي كانت تذاع عن الإمبراطور، ودسائس أجربينا أرملة جرمنكوس وإثارتها الناس عليه، اضطر تيبيريوس أما هذا كله أن يلجأ إلى قانون الخيانة العظمى الذي أصدره قيصر والذي ينص على الجرائم التي ترتكب ضد الدولة. وإذا لم يكن لرومة مدع عمومي أو نائب عمومي، ولم يكن لها (قبل أغسطس) شرطة، فقد كان من حق كل مواطن ومن واجبه أن يوجه التهمة أما المحاكم لكل شخص يعرف أنه خرق القانون، فإذا أدين المتهم كوفئ المخبّر أو المبّلغ بربع أملاك المحكوم عليه وصادرت الدولة بقية أملاكه. واستعان أغسطس بهذا الإجراء الخطير لإرغام الناس على إطاعة قوانينه الخاصة بالزواج. والآن وقد انتشرت المؤامرات ضد تيبيريوس فقد كثر المخبرون الذين رأوا أن يستفيدوا بالتبليغ عنها، وكان أنصار الزعيم من الشيوخ على أتم استعداد للسير في محاكمة المتآمرين بمنتهى الصرامة، وحاول الإمبراطور أن يمنعهم، ونفّذ القانون