تدخل الإمبراطور. وكانت القوانين إذا استثنينا ما يختص منها باغتصاب الملك تجري في مجراها الطبيعي … وكانت أعمال الإيرادات العامة يصرفها رجال امتازوا بالاستقامة والنزاهة … ولم تفرض على أهل الولايات أعباء جديدة، وكانت الضرائب القديمة تجبى في غير عنف أو قسوة … وساد النظام بين عبيده … وكانت دور العدالة مفتحة الأبواب لتفصل في كل نزاع يقع بين الإمبراطور وأفراد الشعب، وكان القانون وحده هو الفيصل في هذا النزاع" (٩).
ودام هذا الحكم الصالح، حكم تيبيريوس، تسع سنين، استمتعت فيها رومة وإيطاليا والولايات بحكومة صالحة لم تر خيراً منها في تاريخها كله. وحسبنا أن نذكر شاهداً على هذا أن تيبيريوس الذي وجد حين اعتلائه العرش في خزانة الدولة مائة مليون سسترس ترك فيها حين وفاته ٢. ٧٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠ دون أن يفرض ضرائب جديدة، وعلى الرغم من هباته الكثيرة للأسر والمدن التي حلت بها الكوارث، وبالرغم من عنايته بإصلاح جميع المنشآت العامة وعدم اشتباكه في حروب تجر له المغانم، ورفضه كل ما أراد أن يوصي به إليه أشخاص لهم أبناء أو أقارب أدنون. ولم يدخر جهداً في العناية بجميع شؤون البلاد الداخلية والخارجية. وكان يكتب للولاة الذين يريدون أن يجبوا من الضرائب أكثر مما كان مفروضاً على ولايتهم يقول لهم: "لقد كان من واجب الراعي الصالح أن يقص صوف غنمه لا أن يجزها" (١٠). ولم يكن يعزو إلى نفسه مجد الظفر في ميدان القتال وإن كان من القادة المحنكين، وقد بسط لواء السلام على الإمبراطورية واحتفظ به بعد السنة الثالثة من حكمه.
وكانت سياسة السلام هذه هي التي حالت بينه وبين ما كان يبغيه من تقدم في عهده. ذلك أن جرمنكوس ابن أخيه، وهو الشاب الوسيم الذي تبناه بعد موت دروسس، كسب بعض المعارك في ألمانيا ورغب أن يواصل الزحف عليها ليفتحها. وكان من رأي تيبيريوس عدم التورط في هذا الفتح،