"ليتني لم أتعلم قط الكتابة! " وقد خفض الضرائب الباهظة أو ألغاها إلغاءً تاماً، وخصص معاشات سنوية للمتازين من الشيوخ الذين أخنى عليهم الدهر. وإذ كان يعرف أن عقله لم ينضج بعد، فقد سمح لأجربينا أن تدير له شئونه، فكانت تستقبل السفراء، وأمرت أن تنقش صورتها على نقود الإمبراطورية إلى جانب صورته. وارتاع سنكا وبروس لتدخل الأم في شئون الحكم فاتفقا على أن يضربا على وتر كبرياء نيرون لينالا لأنفسهما حق القيام بمهام الحكم. واستشاطت الأم غضباً فأعلنت أن برتنكس الوارث الشرعي للعرش، وأنذرت ولدها بأنها ستسقطه بنفس الوسائل القوية التي استخدمتها في رفعه. ورد نيرون على هذا التهديد بأن أمر بدس السم لبرتنكس فما كان من أجربينا إلا أن آوت إلى قصرها الصغير وكتبت فيه مذكراتها، وهي آخر سهم في كنانتها، وطعنت فيها على جميع أعدائها وأعداء أمها، واغترف منها تاستس وستونيوس ذلك التيار الجارف من المثالب والأعمال الوحشية التي صورا بها النواحي السوداء من صور تيبيريوس وكلوديوس ونيرون.
وعم الرخاء الإمبراطورية، وصلحت أحوالها الداخلية والخارجية، بفضل إرشاد الفيلسوف الأول وقوة النظام الإداري الذي كانت تساس به شئونها. فوضعت على الحدود حراسة قوية، وطهرت البحر الأسود من القراصنة، وأعاد كريولا أرمينية إلى حظيرة الإمبراطورية بأن بسط عليها الحماية الرومانية، ووقّعت بارثيا معاهدة صلح دامت حمسين عاماً، وقلّت الرشوة في دور القضاء وفي الولايات، وأصلحت أحوال الموظفين في دواوين الحكومة، وصرفت الشئون المالية بالاقتصاد والحكمة، واقترح نيرون-ولهل ذلك كان بإيعاز من سنكا-ذلك الاقتراح البعيد الأثر القاضي بإلغاء جميع الضرائب غير المقررة، وخاصة الرسوم الجمركية التي كانت تجبي عند الحدود وفي الثغور، حتى تكون التجارة حرة في جميع أنحاء الإمبراطورية. غير أن مجلس الشيوخ لم يوافق على