على تواضعها وعفتها وسط تيار الدعارة الجارف التي اضطرت أن تحيا في غمرته من يوم مولدها، ومما يذكر بالفضل لأجربينا أنها ضحت بحياتها في الدفاع أكتافيا ضد بوبيا، فلم تترك وسيلة تثني بها الإمبراطور عن طلاق أكتافيان إلا لجأت إليها؛ وبلغ من أمرها أن عرضت محاسنها على والدها، وقاومتها بوبيا مقاومة شديدة وتغلبت عليها، ولجأت في كفاحها إلى نزق الشباب، فعيرت نيرون بأنه يخشى والدته، وأقنعته بأن أجربينا كانت تأتمر به لتسقطه، وما زالت به حتى رضي في ساعة من ساعات جنون الشهوة أن يقتل المرأة التي حملته في بطنها وأعطته نصف العالم. وقد فكر أولاً في أن يقتلها مسمومة، ولكنها كانت قد حصنت نفسها من السم بما تعودته من الأدوية المضادة له. ثم حاول أن يقتلها غرقاً ولكنها أنجت نفسها بالسباحة من السفينة التي تحطمت بتدبير الإمبراطور. وطاردها رجاله إلى دارها، فلما قبضوا عليها خلعت ثيابها وقالت لهم:"ادفعوا سيوفكم في رحمي" واحتاج قتلها إلى عدة طعنات، ولما رأى الإمبراطور جثتها العارية كان كل ما قاله:"لم أكن أعرف أن لي أماً بهذا الجمال"(٧٢). ويقال إن سنكا لم تكن له يد في هذه المؤامرة، ولكن أسوأ ما خط في تاريخ الفلسفة وأدعاه للأسى هو تلك السطور التي تشرح كيف كتب الفيلسوف الرسالة التي وجهها نيرون إلى مجلس الشيوخ يقول فيها إن إن أجربينا تأتمر بالزعيم، فلما افتضح أمرها انتحرت (٧٣). وقبل مجلس الشيوخ هذا التفسير في سرور ظاهر، وأقبل أعضاؤه مجتمعين ليهنئوا نيرون لما أن عاد إلى رومة، وحمدوا للآلهة أن كلأته بعنايتها وأنجته من كل سوء.
وإن المرء ليصعب عليه أن يصدق أن هذا الإنسان الذي قتل أمه شاب في الثانية والعشرين من عمره، مغرم بالشعر والموسيقى والفنون الجميلة، والتمثيل والألعاب الرياضية؛ وأنه كان يعجب باليونان لمبارياتهم التي تنمي فيهم القوة الجسمية والمهارة الفنية، وأنه عمل على إدخال هذه المباريات في رومة فأقام في