عام ٥٩ ألعاب الشباب Ludi Iuvenales، وأنشأ في السنة التالية الألعاب النيرونية Neronia على نمط الاحتفال الذي كان يقام كل أربع سنين في أولمبيا، ويشمل سباقاً للخيل، ومباريات الألعاب الرياضية، وفي "موسيقى"-ويدخل فيها الخطابة والشعر، وبنى لذلك مدرجاً كبيراً وملعباً رياضياً وحماماً فخماً، وأنه يمارس الحركات الرياضية بمهارة فائقة، كما كان مولعاً بسوق العربات، وأنه اعتزم أخيراً أن يشترك هو نفسه في المباريات. ولكنها هي الحقيقة، وقد بدا لعقله المولع بكل ما هو يوناني أن هذا العمل لاغبار عليه، بل كان يعتقد أنه يتفق مع أحسن التقاليد اليونانية. وأما سنكا فكان يرى أن هذا سخف أيما سخف، وحاول أن يقصر هذا العرض الإمبراطوري على من يضمهم ميدان خاص، ولكن نيرون تغلبت عليه ودعا الجماهير لتشهد ألعابه، فأقبلت عليه وحيته تحية حماسية حارة.
ولكن أهم ما كان يرغب فيهِ هذا المخلوق الغريب بحق هو أن يكون فناناً عظيماً. ذلك أنه، وقد استحوذ على كل سلطة، وكان يتوق إلى الاستحواذ على كل ضروب الكمال والتهذيب. ومما يذكر له مقروناً بالثناء أنه جد في دراسة فنون النقش، والتصوير، والنحت، والموسيقى، والشعر (٧٤). ولجأ في تحسين صوته إلى وسيلة غريبة فكان "يستلقي على ظهره، ويضع لوحاً من الرصاص على صدره، ويفرغ أمعاءه بمحقن أو بالقئ، ويمتنع عن أكل الفاكهة وعن كل طعام يضر بالصوت"(٧٥). وكان في بعض الأيام يقصر على الثوم وزيت الزيتون يتخذهما وسيلة للغرض نفسه. ودعا ذات ليلة أكابر الشيوخ إلى قصره وعرض عليهم أرغناً مائياً جديداً، وأخذ يشرح لهم نظريته وتركيبه (٧٦). وقد يلغ من إعجابه بالنغمات التي كان يضربها ربنوس Terp o s على العود وافتتانه بها أن كان يقضي معه بعض الليالي بأكملها يتعلم العزف على هذه الآلة. وكان يجمع الفنانين والشعراء حوله، ويعقد المباريات بينه وبينهم في قصره، ويفاضل بين