مزقوا ما كان له في قاعة المجلس من صور وحطموا ما وضع له فيها من تماثيل وأمروا أن يُحطم كل ما في الإمبراطورية بأجمعها من ثماثيل له ومن نقوش يُذكر فيها اسمه.
وبعد فقد ظلم التاريخ هذا العهد "عهد الطغاة"، وكان سبب هذا الظلم أنه تحدث عنه أكثر ما تحدث بلسان أعظم المؤرخين نباغة وأبعدهم عن الإنصاف. ولسنا ننكر أن ثرثرة سوتونيوس كثيراً ما تؤيد اتهامات تاستس أو تحذو حذوها، ولكن دراسة الأدب والنقوش قد حكمت عليها بأنهما يظنان خطأ أن كتابة تاريخ الإمبراطورية، وتاريخ القرن الذي كانا يعيشان فيه، لا تخرج عن تسجيل رذائل الأباطرة العشرة وخطاياهم. وإن أسوأ هؤلاء الحكام لم يكن مجرداً من كل خير-فقد كان تبيريوس حاكماً مخلصاً في عملهِ، وكان كالجيولا مرحاً جذاباً، وكان كلوديوس يكدح لتعلم الحكمة، وكان نيرون مرهف الحس بالجمال، وكان دومتيان قديراً في حكمه صارماً فيه. وقام من خلف مظاهر الفجور والتقتيل نظام إداري حفظ للولايات قسطاً كبيراً من النظام خلال هذه الفترة الطويلة كلها. يضاف إلى هذا أن الأباطرة أنفسهم كانوا أكبر ضحايا سلطانهم، فلقد كان مرض من نوع ما يجري في دمائهم، أشعلت ناره حرارة شهواتهم الطليقة، وظل يلازم اليوليوسيين-الكلوديين حتى قضى عليهم كما قضى أثريوس Atreus. وكان عيب من نوع ما في نظام الحكم هو الذي حط من شأن الفلافيين في مدى جيل واحد، فهوى بهم من حزمهم في شؤون الحكم وصبرهم على متاعبه إلى القسوة الوحشية المروعة. ولقد اختتمت حياة سبعة من هؤلاء الرجال العشرة أسوأ خاتمة، وكانوا كلهم تقريباً غير سعداء في حياتهم، فقد عاشوا في جو من المؤامرات والدسائس، والخيانة، ويحاولون أن يحكموا عالماً من بيت تسوده الفوضى. وإذا كانوا قد أطلقوا العنان لشهواتهم فما ذلك إلا لأنهم كانوا يعرفون أن سلطانهم العظيم سريع الزوال وأنهم كانوا يعيشون يروعهم في كل يوم