للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأنهم مقضي عليهم بالموت الباكر المفاجئ. وإذا كانوا قد انحطوا إلى الدرك الأسفل فما ذلك إلا لأنهم كانوا فوق متناول القانون، وإذا كانوا قد أضحوا أقل من الرجال فما ذلك إلا لأن السلطة جعلت منهم آلهة يعبدون.

ولكننا مع ذلك لا يحق لنا أن نغفر لهذه الحقبة أو للزعامة ما اقترفته من الجرائم الخسيسة الدنيئة؛ نعم إنها نشرت السلام في ربوع الإمبراطورية، ولكنها بسطت حكم الإرهاب على رومة، وأفسدت الأخلاق بما ضربته من أمثلة القسوة المروعة والفجور الطليق، وقطعت أوصال إيطاليا بإشعال نار الحرب الأهلية التي كانت أشد هولاً ووحشية من حروب قيصر وبمبي، وملأت الجزائر بالمنفيين، وأفنت خير الرجال وأشدهم بأساً وأقواهم قلباً. ونشرت الغدر والخيانة بين الأقارب والأصدقاء بإجزال العطاء للجواسيس الشرهين. وقد استبدلت في رومة حكم القانون بطغيان الأفراد وشادت صروحاً ضخمة بجمع الخراج من الولايات، ولكنها أضعفت النفوس بإرهاب ذوي المواهب والابتكار حتى يذلوا أو يصمتوا. وشر من هذا كله أنها جعلت الجيش صاحب السلطة في البلاد. فلم يكن منشأ سلطة الزعيم على مجلس الشيوخ هو عبقريته الفذة، أو ما جرى به العرف، أو مكانة الزعيم وهيبته، بل كان عماد هذه السلطة أسنة الحرس. ولما رأت جيوش الولايات كيف كان الأباطرة يرفعون على العرش، وكيف كانت العطايا توزع عليهم في العاصمة والغنائم تؤخذ منها، واستولت على سلطة الحرس البريتوري، وتولت هي صنع الملوك. ولقد استطاع الحكام العظماء، الذين كانوا يُختارون بالتبني لا بالورائة، استطاعوا بالحكمة أو بالبطش أو بالمال أن يكبحوا جماح الفيالق الرومانية ويؤمنوا الحدود والثغور، فلما أن عادت البلاهة إلى الجلوس إلى العرش بعمل فيلسوف عاشق، شق الجند عصا الطاعة وفسد نظامهم، ومزقت الفوضى غشاء النظام الرقيق، وتآزرت الحرب الأهلية والبرابرة المتربصون فتحطم صرح الحكم النبيل المزعزع الذي شادته عبقرية أغسطس.