ولا يكاد الإنسان يصدق أن رجلاً مترفاً أرستقراطياً نبيلاً، اشتهر بذوقهِ الراقي، ينزل إلى الدرك الذي نزل إليه كتاب الساتريكون. إن كل ما فيهِ من الشخصيات تالعاملة من العامة، والأرقاء السابقين، وكل ما فيه منم المناظر مأخوذ من أسفل أنواع الحياة؛ وبه ينتهي فجاءة العهد الأغسطي الذي كانت تؤخذ فيه موضوعات الأدب من حياة الطبقات العليا. فإنكلبيوس Encolpius الذي تروى القصة على لسانهِ زان، مخنث، كاذب، لص، يرى من الطبيعي أن يكون كل ذي عقل على شاكلته. وهو يقول عن نفسه وعن صديقه:"لقد اتفقنا فيما بيننا على أن نختلس كل ما تصل إليه أيدينا كلما أتيحت لنا فرصة الاختلاس، لنملأ به خزينتنا المشتركة"(٤). وتبدأ القصة في بيت للدعارة، يلتقي فيه إنكلبيوس بأسيلتوس Ascyltos بعد أن لجأ هذا إلى ذلك المكان فراراً من محاضر في الفلسفة، ومغامراتهما بين مدن إيطاليا الجنوبية وكهوفها هي الرباط الذي يربط أجزاء القصة المبعثرة، كما أن تنازعهما على جبتون Giton الغلام الرقيق الوسيم هو الذي يفرق بينهما في قصة اللصوص الغرامية. ويصل الرجلان آخر الأمر إلى بيت التاجر تريملكيو Trimalchio، ثم يدور الجزء الباقي لدينا من الكتاب حول وصف السنا تريملكيونس Cina Trimalchionis وهو أعجب غداء في الأدب كله.
وتريملكيو هذا عبد سابق جمع ثروة طائلة واشترى ضياعاً واسعة، يحيا حياة المترفين الحديثي النعمة، بين جدران قصر وفي جو ملئ بالاضطراب. وقد بلغت ضياعه من الاتساع حداً لا بد معه من كتابة صحيفة يومية يعرف بها مكاسبه، وهو يطلب إلى ضيوفه أن يشربوا ويقول:
"إذا لم يعجبكم الخمر استبدلت به غيره، ولست مضطراً إلى شرائهِ وذلك ما أحمده للآلهة. إن كل ما يُسيل لعابكم في هذا المكان قد جاءني من إحدى مزارعي التي لم أرها بعد؛ ولكنهم يقولون لي إنها في طريق ترسينا Terracina