من الفطائر … ولما دفع الخادم السكين في جانب الخنزيرة طار منها طير السماني وحط كل واحد على ضيف من الأضياف (٧).
ثم تدخل الحجرة أربعة خنازير بيضاء ويختار الضيوف ما يريدون أن يطهى لهم منها؛ ويشوى لهم ما يختارونه وهم يطعمون؛ ويؤتى لهم به، فإذا قطع خرجت من بطنه أمعاؤه المحشوة والفطائر. وإذا قدمت الحلوى لم يجد أنكلبيوس لديه شهية لنتأولها، ولكن ترملكيو يحث ضوفه على الأكل ويؤكد لهم أن الحلوى قد صُنعت كلها من لحم الخنزير. ويدلى خطاف من السقف، يحمل لكل ضيف إبريقاً من المرمر مملوءاً بالعطر ويملأ العبيد أقداحاً فارغة بالخمر المعتق. وتذهب الخمر بعقل تريملكيو فيغازل غلاماً، وتحتج عليه زوجته البدينة، ويقذفها بكأس في رأسها ويقول:"إن هذه العاهر السورية الرقاصة ضعيفة الذاكرة، فلقد انتشلتها من سوق النخاسة وجعلتها امرأة، وهاهي ذي تنفخ أوداجها كالضفدعة .... وهذه سنة الخلق إذا ولدت في علية تحت سطح منزل، فلن تستطيع أن تنام في قصر"(٨) ثم يامر قهرمانه أن يبعد تمثالها عن قبره "وإلا فإنها ستؤنبني حتى بعد أن اموت".
هذا كتاب في الهجاء القوي المقذع، واقعي في تفاصيله وحدها، ولا يصدق إلا على قسم صغير من الحياة الرومانية. وإذا كان كاتبه هو بترونيوس الذي عاش في عهد نيرون، وجب علينا أن نعده هجاء مقذعاً للأغنياء المحدثين من الأرقاء المحررين، كتبه رجل من الأشراف، ولم يكسب قط بعملهِ ما كان له من المال. والكناب كله خلو من الرحمة ليس فيهِ شيء من العطف على الناس، ولا يهدف إلى مثل أعلى، ويرى كاتبه أن الفساد وسوء الخلق أمر طبيعي لا غبار عليهما، وتعرض فيه حياة السوقة من الناس عرض من يستمتع بها ويعجب بها ولا يعلق بكلمة ما عليها. وفي هذا الكتاب تنساب الأقذار انسياباً سريعاً إلى الأدب الروماني، وتحمل إليه أحكام أصحابها، وأذواقهم، وألفاظهم الوقحة، وحيويتهم