وحكم عليه مجلس الشيوخ بالإعدام، ولكن كلوديوس استبدل بهذا الحكم النفي في جزيرة كورسكا.
وفي هذه الجزيرة الصخرية الوعرة قضى الفيلسوف في عزلته ثماني سنين (٤١ - ٤٩) بين أقوام لم يرتفعوا قط عن بدائتهم التي وصفهم بها أوفد في تومي Tomi. وصبر في أول الأمر على هذه الكارثة صبر الرواقيين الحقيقيين، وكتب إلى أمه مقالاً يواسيها فيه " Consolatio ad Helviam"، فلما أن توالت عليه أعوام الشقاء، ضعفت نفسيته واستولى عليه اليأس، فكتب إلى أمين سركلوديوس مقالة Consolatio ad Polybium يرجوه فيها متذللاً أن يعفو عنه، ولما لم يفده هذا الرجاء حأول أن يحفف من آلامه بكتابة المآسي.
وأكبر الظن أن هذه المسرحيات العجيبة التي يكاد كل شخص فيها أن يكون خطيباً، وإنما كتبت لتقرأ وتدرس لا لتمثل على المسرح، وذلك أننا لم نسمع أن واحدة منها مثلت، وغاية ما في الأمر أن بعض الحادثات ذات الروعة أو بعض الخطب الطنانة الرنانة، لُحنت ومثلت تمثيلاً هزلياً. ونرى الفيلسوف الرقيق في هذه المسرحيات يجري الدماء على المسرح كأنه يريد ألا يكون هذا المسرح أقل بشاعة وسفكاً للدماء من الاحتفالات والألعاب. على أنه رغم ما بذله فيها من جهود جبارة، لم ينجح في مسرحياته لانصرافه فيها إلى التفكير أكثر من انصرافه إلى الإخراج المسرحي، فهو يفضل الأفكار على الرجال، ولا يدع فرصة تمر دون أن يشغلها بالتأملات والعواطف والفكاهة. ولسنا ننكر أن في مسرحياته أبياتاً جميلة، ولكن الإنسان لا يلام إذا لم يعلق شيء منها بذاكرته بعد سماعها. على أننا يجب أن نضيف إلى هذا أن كثيرين ممن يعتد بحكمهم لا يتفقون معنا في الرأي، ومن هؤلاء اسكلجر Scaliger سيد النقاد جميعاً في عصر النهضة والذي يفضل سنكا عن يوربديز.
ولما أن عادت الآداب القديمة إلى الحياة، كان سنكا هو الذي اتُّخذ