نموذجاً لأولى المسرحيات التي كتبت باللغات الحديثة، وعنه أخذت الصيغ الفصيحة، ووحدة الزمان والمكان التي امتازت بها مسرحيات كورني Corneille وراسين Racine، والتي ظلت مسيطرة على المسرح الفرنسي حتى القرن التاسع عشر. ولقد كانت ترجمة هاي وود Heywood (١٥٥٩) لمسرحيات سنكا في إنجلترا، التي كانت أقل البلاد تأثراً بنفوذه، المثال الذي نسجت على منواله مأساة بودك Gorboduc أولى المآسي الإنجليزية، كان لهذه المآسي أثرها في مسرحيات شكسبير.
وحدث في عام ٤٨ أن حلت أجربينا الصغرى محل مسالينا في السيطرة على كلوديوس وعلى رومة، وكانت تتوق إلى أن تجعل من ابنها نيرون، وكان وقتئذ في الحاديى عشر من عمره، اسكندراً ثانياً، فأخذت تتلفت حولها تبحث له عن أرسطاطاليس، حتى وجدته في جزيرة كورسكا، فأمرت باستدعاء سنكا وأعادته إلى مكانه في مجلس الشيوخ، وظل خمس سنين يعلم تلميذه الشاب، وخمس سنين أخرى يرشد الإمبراطور ويمسك بزمام الدولة. وكان طوال هذه العشر السنين يدبج الرسائل لإصلاح شأن نيرون، كما كتب عدة رسائل مختلفة يعرض فيها الفلسفة الرواقية عرضاً ظريفاً. ومن هذه الرسائل رسائله: في الغضب، وفي قصر الحياة، وفي هدوء الروح، وفي الرحمة، وفي الحياة السعيدة، وفي ثبات المسرح، وفي حسن التدبير. وهذه الرسائل التي تعنى أكثر ما تعنى بالشكل والمظهر لا تبرز أحسن مواهب سنكا، فهي كمسرحياته ملى بالنكات، ولكن هذه النكات التي يجدها القارئ منثورة غير ارتباط في صحف الكتاب كلها تفقد بهجتها آخر الأمر وتبعث الملل في نفس اللقارئ. على أن قراء سنكا مع ذلك كانوا يقرؤون هذه المقالات من حين إلى حين، ولم يكونوا يشمئزون من النكات المرحة التي أغضبت كونيان الصارم (١٤)