المتزمت (١٤)، ولا من المحسنات اللفظية التي لم يرض عنها ذوق فرنتو Fronto العتيق. لقد كان يسر أولئك القراء أن وزيرهم الأول ينطق بأقواله الظريفة، وأنه يحأول كما يحأول تلميذه بكل ما أوتي من جهد ا، يكسب ثناءهم عليه. وقد ظل سنكا كثيراً من السنين حامل لواء الكتاب، والساسة، وزارع الكروم في إيطاليا.
وضاعف ما ورثه عن أبيه من ثروة باستثمارها استثماراً استعان عليه فيما يظهر بمنصبه الرسمي وعلمه الواسع؛ وإذا كان لنا أن نصدق ديو فإنه كان يقرض المال لأهل الولايات بربا فاحش أثار الفزع والفتنة في بريطانيا حين فاجأ مدينته فيها بطلب أمواله البالغ قدرها ٤٠. ٠٠٠. ٠٠٠ سسترس (١٥). ويقال إن ثروته بلغت ٣٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠ سسترس أي (٣٠. ٠٠٠. ٠٠٠ ريال أمريكي)(١٦). وقد اتهمه جاسوس من أصدقاء مسالينا يدعى ببليوس سوليوس Publius Sullius علناً بأنه "منافق، زان، خليع، يذم حاشية الإمبراطور ولا يفارق قصره، ويذم الترف، ويتباهى بأن له خمسمائة خوان من الأرز والعاج، ويندد بالثروة ويستنزف دماء الولايات بالربا الفاحش"(١٧). وقنع سنكا كما قنع قيصر بمقارعة الحجة بالحجة، وكان في وسعه أن يأمر بإعدام خصمه. ولقد أعاد ذكر هذه التهم في مقاله "عن الحياة السعيدة" ورد عليها بأن الحكيم لا يتحتم عليه أن يكون فقيراً، فإذا جاءه المال من طريق شريف كان في وسعه أن يقبله، ولكن يجب أن يكون في مقدوره أن يتخلى عنه متى شاء دون أن يندم عليهِ" (١٨)، وكان في هذه الأثناء يعيش عيشة الزهد والتقشف بين أثاثه الجميل، ينام على خشبة صلبة خشنة، ولا يشرب إلا الماء القراح، ولا يتنأول إلا القليل من الطعام، حتى ضمر جسمه من قلة التغذية قبل وفاته (١٩). وكتب في ذلك يقول: "إن كثرة الطعام تذهب بالذكاء، والإفراط فيه يخنق الروح" (٢٠). أما ما اتهم به من الشذوذ الجنسي فلعله كان