وكان العلاج بمياه العيون واسع الانتشار وكانت العيون الحارة الكبرى وعاهد للعلاج والاستشفاء. وقد جمع شارميس Charmis المرسيلي ثروة طائلة بإدارة حمامات باردة. وكان المصابون بالسل يرسلون إلى مصر أو شمالي إفريقية. وكان الكبريت يُستخدم لعلاج الأمراض الجلدية ولتبخير الحجرات بعد انتشار الأمراض المعدية (١١٢). وكانت العقاقير آخر ما يلجأ إليه الناس من وسائل العلاج، ولكنهم كانوا يلجأون إليها في كثير من الحالات، وكان الأطباء يصنعونها بأنفسهم بطرق يحتفظون بسريتها ولا يطلعون الجماهير عليها، ويبيعونها بأغلى الأثمان التي يطيقها المرضى (١١٣). وكانت العقاقير الكريهة ذات منزلة كبيرة، فكانت فضلات العظام تُستخدم مسهلات، وكانت احشاء الآدميين توصف أحياناً؛ وقد وصف أنطونيوس موسى براز الكلاب لعلاج مرض الذبحة، واستخدم جالينوس براز الغلمان لعلاج أورام الحلق (١١٤). وفي مقابل هذه الأدوية الكريهة عرض أحد الدجالين المرحين أن يداوي بالخمر كل داء تقريباً (١١٥).
وليس بين الكتاب المعروفين في علم الطب في هذا العهد كاتب من أصل روماني إلا واحد فقط، وحتى هذا الكاتب لم يكن طبيباً. لقد كان أورليوس كرنليوس سلسس Aurelius Cornelius Celsus من أبناء الأشراف، جمع حوالي عام ٥٠ م في دائرة المعارف كل ما درسه عن الزراعة، والحرب، والخطابة، والقانون، والفلسفة، والطب. وقد ضاع كل مل كتبه إلا القسم الخاص بالطب، ويعد كتابه في هذا العلم أعظم مؤلف وصل إلينا من القرون الستة المحصورة بين أبقراط وجالينوس، ويمتاز فوق هذا بأنه كتب بلغة لاتينية فصحى نقية لُقب سلسس من أجلها بشيشرون الطب. ولقد ظلت الأسماء اللاتينية التي ترجم بها المصطلحات الطبية اليونانية تسيطر على علم الطب من ذلك الوقت إلى أيامنا هذه. ويدل الكتاب السادس من كتبه على علم بالأمراض السرية يعد في ذلك العهد القديم علماً واسعاً غزيراً. ويصف الكتاب السابع في جلاء ووضوح بعض