قليل على نصراء أكرم من بارثنيوس وأكثر منه سخاءً وأهدى إليه أحدهم ضيعة صغيرة في نومنتم Nomentum، واستطاع بطريقة ما أن يجمع مالاً يكفي لشراء منزل بسيط في تل الكورنيال Quirinal. وصار في ذلك الوقت يضع نفسه تحت رعاية عظيم بعد عظيم، يقوم بخدمتهم في الصباح، ويتلقى منهم الهدايا في بعض الأحيان؛ لكنه ما لبث أن أحس بحطة منزلته هذه، وأخذ يتحسر لأنه لم يؤت من الشجاعة ما يجعله يقنع بفقره فيحرر نفسه من ذل التبعية (١٢٧). غير أنه لم يكن في وسعه أن يعيش فقيراً لأنه كان مضطراً إلى الاختلاط بمن يستطيعون أن يكافئوه على شعره، فأخذ يبعث لدومتيان بالقصيدة تلو القصيدة يمدحه بها ويمجده، ويقول إنه لو دعاه جوبتير ودومتيان إلى الطعام في يوم واحد لرفض دعوة الإله وأجاب دعوة دومتيان؛ ولكن الإمبراطور كان يفضل عليه استاتيوس فدبت الغيرة من الشاعر الشاب في قلب مارتيال، وقال في إحدى قصائده: إن نكته حية أغلى قيمة من ملحمة ميتة (١٢٨).
وكانت القصائد الموجزة ذات النكت مما يقال في كل موضوع سواء كان إهداء أو تحية، أو قبرية، ولكن مارتيال هذبها فجعلها أقصر وأعظم حدة مما كانت، وأضاف إليها الكثير من الهجاء اللاذع. وإنا لنظلمه إذا قرأنا قصائده ذات النكت البالغ عددها ١٥١٦ قصيدة في جلسات قليلة. فلقد صدرت هذه القصائد في اثنى عشر كتاباً في أوقات مختلفة، ولم يكن ينتظر من القارئ أن يلتهمها كما يلتهم طعام الوليمة، بل كان ينتظر منه أن يتناولها تناول المشهيات قبل الطعام. ويبدو الكثير منها غثاً تافها في هذه الأيام، ذلك أن ما فيها كان خاصاً بهذين الزمان والمكان، فكان لذلك قصير الأجل غير جدير بالبقاء. ولم يكن مارتيال نفسه يقدرها كثيراً، ولم يكن يجادل في أن الغث منها يزيد على الثمين، ولكنه كان مرغماً على أن يملأ بها مجلداً في إثر مجلد (١٢٩). وهو رجل قادر على قرض الشعر، عارف بجميع أوزانه وبجميع ما يتطلبه من حيل وأساليب، ولكنه يتجنب