يستحي قليلاً من فجوره، ويطلب إلينا أن نعتقد أن حياته أطهر من شعره.
ومل آخر الأمر من ابتياع الطعام والشراب بالمديح والهجاء، وتاقت نفسه إلى حياة اهدأ من حياته السابقة وأطهر منها، وحن إلى موطنه في أسبانيا. وكان وقتئذ قد بلغ السابعة والخمسين من عمره، وسرى الشيب في شعر رأسه، وأطال لحيته، واسمرت بشرته، حتى ليستطيع أي إنسان-على خد قوله-بمجرد النظر إليه أن يدرك أنه ولد بالقرب من نهر التاجة Tagus. وأرسل طاقة شهرية إلى بلني الأصغر فأرسل هذا بدلاً منها مبلغاً من المال يكفي نفقات سفره إلى بلبليس. ورحبت به تلك البلدة الصغيرة، وعفت عن سوء أخلاقه بسبب ما نال من الشهرة. ووجد نصراء ومعينين لم يبلغوا من الثراء مبلغ من كانوا يناصرونه في رومة ولكنهم كانوا أندى منهم يداً. وأهدت إليه سيدة رحيمة بيتاً ريفياً متواضعاً ذا حديقة قضى فيه ما كان باقياً له من سنين قليلة. وفي عام ١٠١ كتب بلني يقول:"لقد سمعت تواً بموت مارتيال، وقد أحزنني النبأ وأقضى مضجعي، فلقد كان مارتيال ذا فكاهة قوية لاذعة، يمزج في شعره الملح بالشهد، وأظهر ما يمتاز به هو الصراحة"(١٣٨). وإذا كان بلني أحب هذا الرجل فلا بد أن كانت فيه فضيلة خافية على سائر الناس.