وتلك هي الفترة التي نطق فيها بلنى العالم الطبيعي بقبرية لم يكن موعدها قد حان:"إن الضياع الكبيرة قد خربت إيطاليا"، وذلك حكم أصدره غيره من الكتاب وهم سنكا، ولو كان، وبترونيوس، ومارتيال، وجوفناتل. فقد وصف سنكا مسارح الأنعام التي كانت أوسع رقعة من الممالك يزرعها عبيد مصفدون في الغلال. ويقول كالوملا ان بعض الضياع قد بلغت من السعة حداً يستحيل معه على مالكيها أن يطوفوا حولها راكبين. ويحدثنا بلنى عن ضيعة يعمل فيها ٤١١٧ من العبيد، و ٧٢٠٠ ثور، و ٢٥٧. ٠٠٠ من الحيوانات الأخرى. نعم ان ما عمله أبنا جراكس، وقيصر، وأغسطس من توزيع الأراضي على الرومان قد زاد عدد صغار الملاك، ولكن معظم هؤلاء تركوا أملاكهم في أثناء الحروب التي قامت بعدئذ وابتاعها الأغنياء، ولما ان قللت الإدارة الإمبراطورية من أعمال السلب والنهب في الأقاليم ابتاع الأشراف بأموالهم ضياعاً كبيرة. وكان سبب انتشار المراعي والضياع الواسعة إن تربية الماشية وزراعة أشجار الزيتون والكروم كانت أكثر ربحاً من زراعة الحبوب والخضر، وأن أصحابها قد تبينوا ان المراعي إذا أريد أن تستغل على خير وجه وجب ان تكون متسعة المساحة موحدة الإدارة. فلما اشرف القرن الأول بعد الميلاد على الانتهاء كانت هذه المزايا قد أخذت في الزوال بسبب ما حدث من الزيادة في تكاليف العبيد، ومن النقص في إنتاجهم، ومن ضعف قدرتهم على الابتكار. وقد بدأ في هذه الأثناء الانتقال الطويل الأجل من استخدام العبيد إلى استخدام أقنان الأرض. وكان سبب ذلك أن السلام قلل من استرقاق أسرى الحروب، فعمد بعض ملاك الضياع الواسعة إلى تقسيمها أقساماً صغيرة لا يستخدمون في فلحها العبيد بل يؤجرونها إلى زراع أحرار يؤدون لهم في نظير ذلك مالاً وعملاً. وكان معظم (الأراضي العامة) التي تملكها الحكومة يستغل وقتئذ بهذه الطريقة، كما كانت تستغل بها أيضاً الأراضي الواسعة التي يمتلكها بلنى الأصغر الذي يصف