مستأجريه بأنهم فلاحون أصحاء، أقوياء، طيبو القلوب، ثرثارون، وهو وصف ينطبق كل الانطباق على الفلاحين الإيطاليين في هذه الأيام، فقد بقوا على حالهم رغم ما حل بالبلاد من أحداث وما طرأ عليها من تغيير.
وكانت أساليب الزراعة وأدواتها لا تختلف اختلافاً جوهرياً عما كانت عليه منذ قرون، فقد احتفظ المحراث، والمجرفة، والمعزقة، والفأس، والمذراة، والمنجل بصورتها التي كانت عليها في تلك الأيام، ولم تكد تتغير في شيء. وكانت الحبوب تطحن في طواحين تديرها المياه أو الحيوانات. وكانت المضخات اللولبية والسواقي ترفع الماء من العيون أو الأنهار إلى قنوات الري. وكان يحفظون بخصب التربة بأتباع الدورة الزراعية، واستخدام المخصبات والنباتات التي تفيد الأرض كالفصفصة والبرسيم والشيلم والفول. وكانوا يتفننون في انتخاب البذور، وكان في وسعهم بعنايتهم وحذقهم أن يجنوا ثلاثة محاصيل أو أربعة في بعض الأحيان من حقول كمبانيا ووادي البو الخصبة الغنية. وكان في مقدورهم أن يحصلوا من زرعة واحدة من الفصفصة على أربعة محصولات أو ستة في كل عام لمدة عشرة أعوام. وكانوا يزرعون كل الخضر الأوربية المعروفة عدا أندرها، وكانوا يزرعون بعضها في البيوت الزجاجية ليتجروا فيها أثناء الشتاء. وكانت أشجار الفاكهة والنقل على اختلاف لا أنواعها كثيرة، لأن القواد والتجار الإطاليين، والتجار الأجانب، والأرقاء حملوا معهم إلى إيطاليا الكثير من أصنافها، فجاءوا بأشجار الخوخ من بلاد الفرس، والمشمش من أرمينية، والكرز من كراسس في إقليم بنتس (ومنها اشتق اسم هذه الفاكهة)، والكرم من سوريا، والبرقوق من دمشق، والخوخ والبندق من آسية الصغرى، والجوز من بلاد اليونان، والزيتون والتين من أفريقية .. واستطاع المهرة من زراع الأشجار أن يطعموا شجر القطلب (الأريوطس) بأغصان شجر الجوز، وشجر الدلب بأغصان الخوخ، وشجر الدردار بأغصان الكرز. ويذكر بلنى تسعة وعشرين نوعاً