من شجر التين كانت تزرع في إيطاليا، ويقول كالوملا:"لقد عرفت إيطاليا بفضل عناية زراعنا كيف تنتج فاكهة العالم كله تقريباً". ثم نقلت هذه الفنون إلى غربي أوربا وشماليها. وجملة القول أن ألوان الطعام الكثيرة التي نأكلها قد تجمعت من رقعة واسعة من الأرض، وان لها من ورائها تاريخ طويل. وقد يكون هذا الطعام جزءاً من التراث الذي ورثناه من بلاد الشرق أو بلاد اليونان والرومان الأقدمين.
وكانت بساتين الزيتون كثيرة العدد، أما الكروم فلم يكن يخلو منها مكان، وكانت تدرج لها سفوح الجبال فتبدو ذات روعة وجمال. وكانت إيطاليا تخرج خمسين نوعاً من أنواع النبيذ المشهورة، وكانت رومة وحدها تحتسى منها خمسة وعشرين مليون جالون في كل عام، أي بمعدل نصف جالون لكل شخص من ساكنيها رجالهم ونسائهم وأطفالهم وعبيدهم كل أسبوع. وكان معظم النبيذ من إنتاج المنظمات الرأسمالية ـ أي بطرقة الإنتاج الكبير الذي تموله رومة. وكان الكثير مما تنتجه يصدر إلى خارج البلاد لك يتذوق البلاد التي يتشرب الجعة كألمانيا وغالة لذة النبيذ. وشرعت أسبانيا وأفريقية وغالة تزرع كرومها، واخذ زراع الكروم الإيطاليون يفقدون من البلاد التي يصدرون إليها نبيذهم أسبوعاً بعد أسبوع، ويغمرون سوقهم المحلية بأكثر مما تطيقه من النبيذ في إحدى أزمات الإنتاج الوفير التي عانتها رومة في الزمن القديم. وحاول دومتيان أن يخفف من أثر هذه الحال السيئة، وأن يعيد زراعة الحبوب إلى حالها الأولى، فحرم غرس كروم جديدة في إيطاليا وأمر بأن تدمر نصف الكروم المزروعة في الولايات. وأثارت هذه الأوامر عاصفة من الاحتجاج الشديد، وعجزت الحكومة عن تنفيذها فكانت النتيجة ان نبيذ غالة وزيتون أسبانيا وأفريقية وبلاد الشرق أخذا يطردان الغلات الإيطالية من أسواق البحر الأبيض المتوسط وبدأ من ذلك الوقت اضمحلال إيطاليا الاقتصادي.