من الضخامة مبلغ متحف نيرون، ولكنه لم يكن ينقص عنه في الروعة والزينة. وكان في جناح واحد منه باسلقا واسعة الأرجاء، ولعلها هي البهو الذي كان الإمبراطور ينظر فيه القضايا التي تستأنف إليه في مرحلتها الأخيرة. وكان هذا الجناح نفسه يضم رواقاً سعته ثلاثون ألف قدم مربعة، تجاوره حجرة للمآدب أرضها من الرخام البرفيري الأحمر والحجر الملوي الأخضر الذي لم يقو الزمان حتى الآن على إبادته فيما أباد من الستائر الرخامية الرقيقة والنوافذ ذات العمد الجميلة التي كان المدعوون بعد فراغهم من الطعام يشاهدون من خلالها الماء يسقط في الأحواض الرخامية من الفوارات القائمة في خارجها. وجدير بنا أن ننبه القارئ إلى أن دومتيان لم يكن يستخدم هذا القصر إلا في الحفلات وفي الأعمال الإدارية، أما مسكنه فكان في قصر أغسطس الذي يقل عن هذا القصر ضخامة وفخامة. وما من شك في أن هذه الصروح الملكية كانت جزءاً من المظاهر الخارجية للإمبراطورية الرومانية، قصد بها أن تلقي الروع في قلوب الأهلين والزائرين والسفراء، أما الأباطرة أنفسهم-مع جواز استثناء كلجيولا ونيرون- فكانوا يضيقون ذرعاً بالمراسم التي تجري في قاعات الحفلات، فيفرون منها إلى الدعة والألفة في مساكن أسرهم، حيث يستمتعون "بلذة كونهم رجالاً" على حد قول أنطونينس بيوس Antoninus Pius.