للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إليه وقتئذ من قدرة على تصوير السجف، والمجموعات الطبيعية القوية المؤثرة، وتنظيم الأضواء والظلال تنظيماً أوفى على الغية في الإتقان. وقد وجد الإيطاليون في هذا النقش كما وجدوا في شعر فرجيل أكمل وسيلة للدعاوة لأنفسهم وإذاعة مجدهم في أنحاء العالم.

وليس ثمة نقوش رومانية تضارع هذه النقوش إلا النقوش المنحوتة على الأقواس التي كانت تقاوم عند دخول القواد الظافرين. وأجمل ما بقي من هذه الأقواس قوس تيتس الذي بدأه فسبازيان وأتمه دومتيان لتخليد ذكرى فتح بيت المقدس، ويمثل أحد هذه النقوش المدينة المحترقة، وأسوارها المهدمة، وأهلها الذين استولى عليهم الرعب، وثروتها التي تنتهبها الفيالق الرومانية. ويمثل نقش آخر تيتس يسير إلى رومة في مركبته بين الجنود، والحيوانات، وكبار الحكام، والكهنة، والأسرى، ومن ورائه ثرييات الهيكل المقدسة وغيرها من غنائم الحرب على اختلاف أنواعها. وقد كان الفنانون الذين حفروا هذه الرسوم جد جريئين في تجاربهم: فقد حفروا صوراً تختلف باختلاف المستويات، ووزعوها على سطوح متفاوتة الارتفاع، ونحتوا خلفية الصورة بحيث تمثل العمق، ولونوا الصورة كلها لتحمل إلى الرائي درجات مختلفة من الاكتظاظ والبعد، فوق ما تحمل من المعاني الأخرى. وأما الأعمال التي تمثلها الصورة فلا تظهر كأنها حوادث متفرقة بل تبدو مستعمرة دائمة، كما تبدو في طنف بلاد النهرين ومصر، وكما تبدو فيما بعد على أعمدة الإمبراطورين تراجان وأورليوس؛ وبذلك استطاعت أن تمثل معنى الحركة والحياة على خير وجه. كذلك لم يعمل العرف والمثل الأعلى عملهما في الصورة فيخرجاها عن الواقعية ويفرضا عليها ما فرضه الفن الأتيكي على صور "مذبح السلام" اليوناني؛ بل إن أناسه أناس واقعيون من لحم ودم وأقذار نحتوا على سنن التقاليد الإيطالية تقاليد الواقعية والحيوية. ولم يكن موضوعها هو الآلهة المكملة بل كان هو الآدميين الأحياء.