للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ينحدر الشيخ المسن مترنحاً إلى قبره؛ أو أن الشمس كانت هي الإله حورس مصوراً في صورة باشق رشيق يطير في عظمة وجلال في السماوات يوماً بعد يوم كأنه يشرف من عليائه على مملكته. ولقد أصبح فيما بعد رمزاً متواتراً من الرموز الدينية والملكية. وكان رع أو الشمس هو الخالق على الدوام، ولما أشرق أول مرة ورأى الأرض صحراء جرداء غمرها بأشعته فبعث فيها النشاط فخرجت من عيونه كل الكائنات الحية من نبات وحيوان وإنسان- مختلطة بعضها ببعض. ولما كان أول من خُلق من الرجال والنساء أبناء رع الأدنين فقد كانوا مكملين سعداء. ولكن أبنائهم انحدروا شيئاً فشيئاً إلى طريق الضلال، فخسروا ما كانوا عليه من سعادة وكمال. وغضب رع من أجل ذلك على خلقه، فأهلك عددا كبيراً من الجنس البشري. على أن العلماء المصريين كانوا يشكون في هذه العقائد الشعبية (كما كان يؤكد بعض العلماء السومريين) أن الخلائق الأولين كانوا كالبهائم لا يستطيعون النطق بألفاظ مفهومة، ولا يعرفون شيئاً من فنون الحياة (٢٣٢). وقصارى القول أن هذه الأساطير كانت في جملتها أساطير دالة على الذكاء تعبر في تقوى وصلاح عن اعتراف الإنسان بفضل الأرض والشمس.

وكانت هذه الروح الدينية غزيرة خصبة بلغ من خصبها أن المصريين لم يعبدوا مصدر الحياة فحسب بل عبدوا مع هذا المصدر كل صورة من صور الحياة. فكانت بعض النباتات مقدسة لديهم، فالنخلة التي تظلل الناس في قلب الصحراء، وعين الماء التي تسقيهم في الواحة، والغيضة التي يلتقون عندها ويستريحون، والجميزة التي تترعرع ترعرعاً عجيباً في الرمال، كانت هذه عندهم، لأسباب قوية لا يستطيع أحد أن ينكرها عليهم أشياء مقدسة. ولقد ظل المصري الساذج إلى آخر أيام حضارته يقرب إليها قرابين الخيار والعنب والتين (٢٣٣). ولم يكن هذا كل شيء بل إن الخضر الوضيعة قد وجدت لها من يعبدها، حتى لقد أخذ تين Taine يلهو بالتدليل على أن البصل