الخمر والفسق يلعبون كأن المدينة لم تعرف في حياتها شيئاً غير الحب والخمر؛ وإذا ما حكمنا على نساء بمبي من صورهن التي على الجدران كانت هؤلاء النسوة خليقات بأن يكون جمالهن محور الحياة بأجمعها في تلك المدينة، فنحن نراهن منهمكات في لعبة "الكعاب" أو متكئات في رشاقة على القيثارات، أو نشاهدهن يقرضن الشعر والأقلام بين شفاههن، ودلائل التفكير بادية على ملامحهن، ووجوههن هادئة من أثر النضوج، وأجسامهن سليمة صحيحة كاملة النمو، وأثوابهن مسبلة عليهن، فضفاضة أنيقة كأنها من نحت فدياس، يمشين كأنهن كلهن هلن اليونانية التي سلبت عقل باريس بن بريام، مدركات قداستهن. وترى إحداهن ترقص رقصة باخوسية (١) لعلها في هواء رقيق، وذراعها ويدها وقدمها اليمنى من أجمل ما رأته العين في تاريخ التصوير. ويحب أن تضم إلى هذه الروائع بعض صور الرجال أيضاً كصورة تسيوس Theseus وهو ينتصر على المونوتور Minotaur وهرقل وهو ينجي ديانيرا Deianira أو يتبنى تلفوس Telephus، وأخيل يسلم وهو غضبان آسف برسيس Briseis المتمنعة الآبية. وكل شكل رسم في هذه الصورة الأخيرة يكاد يبلغ الغاية في الكمال ويصل فيه التصوير البمبياثي إلى ذروة الإبداع. وللفكاهة أيضاً نصيبها من التصوير؛ فهذا زعيم أشعت يتمثر على عكازته، وهذا جني ظريف يهز ساقيه في مرح تهكمي، وهذا سلينس Silenus أصلع بذيء يصور وهو في نشوة موسيقية. وللحانات والمواخير أيضاً مكانها في زينة الجدران، ولا يجد السائح المتقصي حاجة لأن يقال إن بريابس Priapus لا يزال يزهو بقواه الثمينة على جدران بمبي. وفي الطرف الآخر من هذه السلسلة حيث توجد بيوت الضواحي نرى طائفة من الصور الدينية توحي بأن المكان كان يستخدم للاحتفال بالطقوس الديونيشية الخفية؛ ففي أحد المظلمات نشاهد بنتاً أمعنت في تقواها بغير رفق حتى شلت حركتها، تقرأ في كتاب يبدو أنه كتاب
(١) نسبة إلى باخوس إله الخمر عند اليونان الأقدمين. (المترجم)