وكانت تربية الأبناء في الزمن الأول واجباً على الآباء للدولة يحتمه عليه الشرف ويلزمهم به الرأي العام؛ أما الآن فقد بدا من أسخف الأشياء أن يطلب إلى الآباء أن يزيدوا عدد سكان المدينة التي ضاقت بمن فيها؛ وكان المنافقون المداهنون لا ينفكون يتملقون العُزّاب ومن لا أبناء لهم من المتزوجين يطلبون إليهم أن يوصوا لهم بأموالهم بعد وفاتهم. وقد وصف جوفنال هذه الحال بقوله: إن أكثر ما يحبب فيك أصدقاءك أن تكون لك زوج عقيم (١)". وقد ورد على لسان شخصية من شخصيات بترونيوس: "ليس في أقرطونا إلا طبقتان من السكان-متملقون ومتملقون، والجريمة الوحيدة فيها أن تلد أبناء يرثون مالك من بعدك. فهي أشبه بميدان قتال في فترة راحة: ليس فيه إلا جيف وطيور جارحة تلتهمها (٢)". وفقدت أم ولدها الوحيد فعزاها سنسكا بقوله إنها ستصبح محببة عند الناس مكرمة لأن "الثكل عندنا يزيد سلطان الثكلى أكثر مما ينقصه" (٣) وكان في أسرة جراكس اثنا عشر طفلاً، ولكننا لا نعتقد أنه كان بين طبقتي الأشراف والفرسان في رومة على عهد نيرون خمس أسر من هذا النوع. وكان الزواج في العهد القديم رباطاً اقتصادياً يدوم مدى الحياة، أما الآن فقد أصبح في نظر مائة ألف روماني مغامرة قصيرة الأجل، خالية من كل معنى روحي، وعقداً ضعيفاً يسهل التحلل منه غايته الحصول على اللذة الجسمية أو السلطة السياسية. ولكي تلفت النساء من القيود المفروضة على العُزّاب في الوصايا والهبات كان بعضهن يتزوجن بالخصيان حتى لا يحملهن (٤)، ومنهن من كن يعتقدن زيجات صورية على رجال فقراء مشترطات ألاّ يطلب إليهن أن يحملهن، وأن يكون لهن من العشاق بقدر ما يرغبن (٥). وكانت موانع الحمل بنوعيها الآلي والكيميائي واسعة الانتشار (٦) فإذا لم تفلح أسعفهن الإجهاض بأشكاله الكثيرة. نعم إن الفلاسفة والمشترعين كانوا يحرمونه، ولكن أرقى الأسر كانت تلجأ إليه. وفي ذلك يقول جوفنال: "إن الفقيرات من النساء