وأصبح اليهود من عهد قيصر عنصراً قوياً من عناصر السكان في العاصمة وقد وفد منهم إليها عدد قليل من عهد ماض يرجع إلى عام ١٤٠ ق. م (١٣)، وجيء بعدد كبير منهم إلى رومة أسرى حرب بعد حروب بمبي التي شبت في عام ٦٣ ق. م، ولم يلبث هؤلاء أن تحرروا من الرق، لجدهم واقتصادهم، أو لأن استمساكهم الشديد بأوامر دينهم كان يضايق سادتهم. ولم يحل عام ٥٩ ق. م حتى كان عددهم في الجمعية قد ازداد إلى حد جعل شيشرون يصف معارضتهم بأنها مجازفة سياسية غير مأمونة العاقبة (١٤). ويمكن القول بوجه عام إن الحزب الجمهوري كان معادياً لليهود، وإن الشعب والأباطرة كانوا من أصدقائهم (١) وقبل أن ينصرم القرن الأول كان عددهم في العاصمة قد بلغ ٢٠. ٠٠٠ (١٨)، وكانت كثرتهم تسكن على الضفة الغربية من نهر التيبر، وكانت تعاني الأمرين من جرّاء الفيضان الموسمي لهذا النهر. وكانوا يعملون في أحواض السفن القريبة من مساكنهم، ويشتغلون بالصناعات اليدوية وبتجارة الأشتات في الحوانيت، أو بالتنقل في أحياء المدينة. وكان منهم أغنياء، ولكن لم يكن من بينهم إلا عدد قليل من كبار التُجّار، فقد كان السوريون واليونان هم المسيطرين على التجارة
(١) وقد ظلوا على الدوام يؤيدون قيصر، وبسط عليهم في نظير ذلك حمايته ورعايته، وحذا أغسطس حذوه في هذه الخطة؛ أما تيبيريوس فكان معادياً لكل العقائد الأجنبية، ولذلك جند أربعة آلاف منهم ليحاربوا في سردينية حرباً لا تكاد تختلف في شيء عن الانتحار، ثم أخرج البقية الباقية منهم من رومة (١٩ م) (١٦). ثم أدرك بعد اثنتي عشر عاماً من ذلك الوقت أن سجانوس قد أضله في هذا الأمر، فألغى مرسوم نفيهم، وأمر ألاّ يضار اليهود في ممارسة طقوس دينهم وفي اتباع عاداتهم (١٧). وبسط عليهم كلجيولا حمايته في رومة، ولكنه أصدر في عام (٤٢) مرسوماً عاماً يؤيد في حقهم أياً كان مقامهم في أنحاء الإمبراطورية في أن يعيشوا حسب قوانينهم. وفي عام ٩٤ نفى دومتيان اليهود من رومة إلى وادي إجيريا Egeria، وفي عام ٤٦ أعادهم نيرفا Nerva إلى رومة، ورد إليهم حقوقهم المدنية، وسمح لهم أن يستمتعوا بالطمأنينة جيلاً كاملاً.