عن كل منهج في مادة من مواد الدراسة. وكانت أهم موضوعات الدرس هي الخطابة، والهندسة النظرية، والفلك، والفلسفة-وكانت هذه المادة الأخيرة تشمل الكثير مما يطلق عليه الآن اسم العلوم الطبيعية. ويتكون من هذه المواد ما يعرف "بالتعليم الحر" أي المخصص لأبناء الأغنياء الأحرار (Homoliber) ، وهم الذين لم يكونوا في أغلب الظن يقومون بأي عمل جثماني. وقد شكا بترونيوس، كما يشكو كل جيل، من أن التعليم لا يؤهل الشبان لمواجهة ما سوف يعترضهم من المشاكل في مستقبل حياتهم فيقول:"إن المدارس هي الملومة فيما يتصف به شبابنا من سخف وبلاهة، لأنهم لا يستمعون فيها إلى شيء من شئون الحياة اليومية"(٣٢). وكل ما نستطيع أن نقوله نحن عنها كانت تربى في الطالب المجد ملكة التفكير الواضح السريع، الذي امتازت بها مهنة القضاء في جميع العصور، وعلمتهم تلك البلاغة الخلاّبة التي لا تتقيد بالقويم من المبادئ أو الأخلاق، والتي امتاز بها خطباء الرومان. ويبدو أن هذه المدارس لم تكن تمنح خريجيها إجازات علمية؛ وكان في وسع الطالب أن يبقى فيها ما يشاء، وأن يختار من المواد ما يريد؛ من ذلك أن لوس جليوس Aulus Gellius بقى في إحداها حتى بلغ الخامسة والعشرين. وكانت مفتحة الأبواب للنساء حتى المتزوجات منهن. ومن شاء من الطلاب أن يستزيد من التعليم انتقل إلى أثينة لدراسة الفلسفة من منابعها الفياضة، أو إلى الإسكندرية لدراسة الطب، أو إلى رودس لدراسة آخر دقائق علوم البلاغة. وكان شيشرون يدفع عن ابنه في جامعة أثينة ما قيمته أربعة آلاف ريال أمريكي في كل عام.
وكانت مدارس البلاغة حين جلس فسبازيان على العرش قد بلغت من الكثرة وقوة النفوذ درجة رأى معها هذا الإمبراطور الداهية أن من الحكمة أن ينقل كبرياتها إلى العاصمة، وأن يضعها تحت إشراف الحكومة، وذلك بأن يدفع إلى كبار الأساتذة فيها مرتبات من قبل الدولة، بلغ أعلاها