على السواء، ولكن البنات كثيراً ما كن يتلقين فضلاً عن هذا دروساً في الموسيقى والرقص. وإذ كان المدرسون في المدارس الثانوية (جرماتيشي Grammatici) من المحررين اليونان على الدوام، فقد كانوا يوجهون معظم اهتمامهم إلى آداب اليونان وتاريخهم بطبيعة الحال؛ ومن أجل هذا اصطبغت الثقافة الرومانية بالصبغة اليونانية، حتى إذا ما أشرف القرن الثاني الميلادي على نهايته، كانت اللغة اليونانية لغة التعليم العالي كله تقريباً، وضاعت الآداب اللاتينية في غمرة علوم ذلك العصر وثقافته.
أما الدراسات التي تعادل الدراسات في الكليات والجامعات في هذه الأيام فكان مقرها مدارس الخطباء. ولم يكن في الإمبراطورية مكان يخلو من الخطباء الذين يدافعون عما يستأجرونهم في دور القضاء أو يكتبون لهم الخطب، أو يلقون المحاضرات العامة، أو يعلمون التلاميذ فن الخطابة، أو يقومون بهذه الأعمال كلها. وكان الكثيرون منهم ينتقلون من مدينة إلى مدينة، يتحدثون في الأدب، أو الفلسفة أو السياسة، ويعرضون على المستمعين كيف يطرقون أي موضوع بمهارة الخطباء البلغاء. ويحدثنا بلني الأصغر عن إسيوس Isaeus اليوناني وكان وقتئذ في الثالثة والستين من عمره فيقول:
كان يعرض على سامعيه عدة أسئلة للمناقشة ويترك لهم الحرية الكاملة في اختيار أيها يشاءون، بل كان يطلب إليهم أحياناً أن يختاروا له الناحية التي يجب أن يؤيدها، ثم يقوم، ويرتدي ثوبه ويبدأ حديثه … وكان يعرض موضوعه عرضاً لبقاً جميلاً، وكان قصصه واضحاً، ونقاشه متيناً قوياً يشهد بالذكاء والفطنة، ومنطقه قوياً، ولغته بليغة إلى أقصى حدود البلاغة (١٣).
وكان يسمح لهؤلاء الرجال أن يفتتحوا المدارس، ويستخدموا فيها مساعدين لهم، ويجمعوا عدداً كبيراً من الطلاب. يدخلونها حوالي لسنة السادسة عشرة من العمر، ويدفعون من الأجور ما يصل أحياناً إلى ألفي سسترس