والبساطة- والإخلاص المتبادل بين الأبناء والآباء، والشعور بالتبعة الصادرة عن تعقل ورزانة، والابتعاد عن الإسراف والتظاهر الكاذب، ظلت هذه الفضائل كلها باقية في البيوت الرومانية. إن الأسر المهذبة الرقيقة السليمة التي يصفها بلني في رسائله لم تبدأ فجأة في عهد نيرفا وتراجان، بل كانت باقية هادئة في أيام الطغاة المستبدين، حافظت على كيانها رغم تجسس الأباطرة، وتسفل الشعب المهين الذليل، وانحطاط الفسقة والأراذل والمومسات. وإنا لنلمح ومضات من ضياء هذه البيوت في القبريات التي يكتبها الأزواج لأزواجهم والأدباء لأبنائهم. وهاك واحدة منها: "هنا تثوي عظام أربليا Urbilia زوجة بريمس Primus. لقد كانت أعز عليّ من حياتي نفسها، لقد قضت نحبها في الثالثة والعشرين من عمرها محبوبة من الجميع. وداعاً يا سلوتي! " وجاء في قبرية أخرى: "إلى زوجتي العزيزة التي عشت معها ثمانية عشر عاماً سعيدة. ولقد لأقسمت من فرط حبي لها ألاّ أتزوج قط غيرها" (٥٦). وفي وسعنا أن نتصور أولئك النساء في بيوتهن-يغزلن الصوف، يعذرن أبناءهن ويعلمنهم، ويرشدن الخدم إلى واجباتهم، ويحسن القيام على مصروفهن القليل، ويشتركن مع أزواجهن في عبادة آلهة البيت التي اعتدن أن يعبدنها من أقدم الأزمان. ولقد كانت رومة رغم ما فيها من فساد، لا بلاد اليونان، هي التي رفعت شأن الأسرة وسمت بها في مدارج الرقي الجديدة في العالم القديم.