من المكانة والسلطان ما يحسدهم عليه سائر الطبقات. والحق أنهم كانوا جديرين بقسط وافر من هذا السلطان لأنهم هم الذين جمعوا علوم مصر واحتفظوا بها، وهم الذين علموا الشعب وفرضوا على أنفسهم نظاماً دقيقاً قوامه القوة والغيرة. وقد وصفهم هيرودوت وصفاً يكاد يشعرنا بأنه كان يهابهم ويرهبهم قال:
"وهم أكثر الناس اهتماما بعبادة الآلهة، ولا يتحللون قط من المراسم الآتية؛ .. يلبسون ثياباً من نسيج الكتان نظيفة حديثة الغسل على الدوام .. ويختتنون حرصا منهم على النظافة لأنهم يعتقدون أن النظافة أفضل من الجمال، ويحلقون شعر أجسامهم بأجمعه مرة في كل ثلاثة أيام حتى لا يجد القمل أو غيره من الأقذار مكاناً في أجسامهم .. وهم يغتسلون بالماء البارد مرتين في النهار ومرتين في الليل"(٢٤٨).
وكان أهم ما يميز هذا الدين توكيده فكرة الخلود. فالمصريون يعتقدون أنه إذا أمكن أن يحيا أوزير النيل، ويحيا النبات كله، بعد موتهما، فإن في مقدور الإنسان أيضا أن يعود إلى الحياة بعد موته، وكان بقاء أجسام الموتى سليمة بصورة تسترعي النظر في أرض مصر الجافة مما ساعد على إثبات هذه العقيدة التي ظلت مسيطرة على الديانة المصرية آلاف السنين، والتي انتقلت منهم إلى الدين المسيحي (٢٤٩). لقد كان المصريون يعتقدون أن الجسم تسكنه صورة أخرى مصغرة منه تسمى القرينة- الكا- كما تسكنه أيضا روح تقيم فيه إقامة الطائر الذي يرفرف بين الأشجار. وهذه الثلاثة مجتمعة- الجسم والقرينة والروح- تبقى بعد ظاهرة الموت، وكان في استطاعتها أن تنجو منه وقتا يطول أو يقصر بقدر ما يحتفظون بالجسم سليماً من البلى؛ ولكنهم إذا جاءوا إلى أوزير مبرئين من جميع الذنوب سمح لهم أن يعيشوا مخلدين في "حقل الفيضان السعيد"- أي في الحدائق السماوية حيث توجد الوفرة والأمن على الدوام. وفي وسع الإنسان