الذين جاءوا بعد عدة مراسيم تحرم الترف، ولكنه لم يكن في وسعه إرغام الناس على طاعتها، وسرعان ما أغفل أمرها. وخضع تيبيريوس للأمر الواقع وأقر بأن تبذير الأشراف والحديثي النعمة يحول بين الصناع في رومة والشرق وبين التعطل، ويساعد على تسرب خراج الأقاليم من العاصمة. ويقول "كيف تستطيع رومة، وكيف تستطيع الولايات، أن تعيش بغير الترف؟ ".
ولم تكن ثياب النساء والرجال في رومة أكثر ترفاً من ثياب نساء هذه الأيام، أو أكثر فخامة أو غلى ثمناً من ثياب الأشراف في العصور الوسطى. ولم تكن الأزياء تتبدل في رومة بالسرعة التي تتبدل بها في المدن الحديثة، بل كان الثوب الحسن يبقى مدى الحياة في بعض الأحيان دون أن يصبح زياً عتيقاً. ولكننا إذا وازنّا بين حياة الطبقات العليا في رومة وبينها في عصر الجمهورية قبل أن يأتي بمبي لوكلس بغنائم الشرق وملذاته، حكمنا بأن رومة أضحت في العصر الذي نتحدث عنه جنة ينعم بها المترفون بأفخر الثياب وأشهى الطعام المختلف الأنواع، وأجمل الأثاث، وأفخم البيوت. ولما أن جرد الأشراف مما كان لهم من زعامة سياسية، وكادوا يحرمون كل سلطان سياسي، وانسحبوا من الجمعيات السياسية إلى قصورهم، ولم يكن عليهم من أنفسهم وازع من الأخلاق اللهم إلا وازع الفلسفة، أطلقوا العنان لشهواتهم وأخذوا يسعون لاغتراف اللذة والتنعم بفن الحياة.