من أبوابه خادم. لم تكن هذه هي الجنة بل كانت هي الشقاء كل الشقاء؛ وكأنما أراد الثري الروماني العظيم أن يزيد حياته شقاء على شقائها، فكان يبدأ يومه حوالي الساعة السابعة باستقبال "مواليه" والمتطفلين عليه يعرض عليهم خدمه ليقبلوهما، ثم يفطر بعد ساعتين أو نحوهما من ذلك الوقت، ويستقبل من يزورونه من أصدقائه أو يرد لهم الزيارات. وكانت آداب اللياقة تحتم على الرجل أن يرد الزيارة لكل صديق يزوره، ويساعده في قضاياه وفي قضايا مطالبه، ويشهد الاحتفال بخطبة ابنته وبلوغ ابنه سن الرشد، وقراءة قصائده والتوقيع على وصيته. وكان يؤدي وغيرها من الواجبات الاجتماعية بأدب ومجاملة لا يفوقهما أدب أو مجاملة في أية حضارة من الحضارات. ثم يذهب الرجل العظيم إلى مجلس الشيوخ، أو يعمل في إحدى اللجان الحكومية، أو يشرف على شئونه الخاصة.
أما حياة الرجل صاحب الثروة المتواضعة فكانت أبسط من هذه الحياة السابق وصفها، ولكنها لم تكن أقل منها مشقة، فكان إذا انتهى من زيارات الصباح الاجتماعية عني بأعماله الخاصة حتى منتصف النهار. وكان عامة الناس يبادرون بالذهاب إلى أعمالهم من مطلع الشمس، ذلك أن الروماني العادي كان ينتفع بيومه على أكمل وجه لأنه لم يكن يشترك في الحياة الاجتماعية في أثناء الليل. وكان يتناول وقت الظهيرة غذاء خفيفاً، ويتناول وجبة كاملة في الساعة الثالثة أو الرابعة، وتتأخر هذه الوجبة كلما كان الرجل أرقى منزلة. وكان الفلاح أو العامل الأجير بعد أن يتغدى ويغفو قليلاً يعود إلى عمله إلى قرب الغروب، أما غير الفلاّح والأجير فكانوا يخرجون إلى التنزه في الخلاء أو في الحمامات العامة. وكان الرومان في عهد الإمبراطورية يرون الاستحمام أوجب عليهم من عبادة الآلهة، وكانوا كاليابانيين يطيقون الروائح العامة أكثر مما يطيقون رائحتهم الخاصة، ولم يكن يضارعهم شعب آخر في نظافة الجسم غير المصريين. وكانوا يحملون معهم مناديل (Sudaria) ليمسحوا بها عرقهم (٧٤)، ويصطنعون