الألعاب النيرونية والكبتولية. وفي وسعنا أن نرسم في الخيال صورة وإن تكن غير واضحة للمنظر الرائع الذي يجمع الموسيقيين والشعراء من جميع أنحاء الإمبراطورية، وهم يتبارون أما الجموع المحتشدة، والذي يتقدم فيه الفائزون المجهدون ليضع الأباطرة بأيديهم أكاليل أوراق البلوط على رؤوسهم.
ولسنا نعرف عن الموسيقى الرومانية ما يكفي لبسط القول في وصفها. ويلوح أنها كانت أرقى، وأكمل، وأكثر عجيجاً من الموسيقى اليونانية. وقد دخلت عليها من صبغة شرقية من مصر وآسية الصغرى وسوريا. وكان المتقدمون في السن من الرومان يأسفون لأن المؤلفين المحدثين أخذوا يهجرون ما يمتاز به النمط القديم من تمنع ووقار، وأنهم كانوا يتلفون أرواح الشباب وأعصابهم بالأنغام الشاذة والآلات الصاخبة. والذي لا جدال فيه أنه ما من شعب قديم أحب الموسيقى كما أحبها الرومان. فقد كانت أغاني المسرح تتلقفها الجماهير المرحة السريعة الحركة فتردد أصداءها في شوارع رومة ونوافذ بيوتها، وكانت أغاني التمثيل الصامت المعقدة تنطبع في ذاكرة المعجبين بها انطباعاً بلغ من قوته أن كان في مقدورهم إذا سمعوا أولى نغماتها أن يقولوا لك من أية مسرحية هي، ومن أي فصل في المسرحية. على أن رومة لم تفد الموسيقى فائدة حقة اللهم إلا ما عسى أن تكون قد فعلته من تنظيم اللاعبين إلى فرق كبيرة تنظيماً أحسن مما كان عند من سبقهم من الأمم. ولكنها كرمت الموسيقى بإشاعة استخدامها، وبالاستجابة إليها والتأثر بها، يضاف إلى هذا أنها جمعت التراث الموسيقي للعالم القديم في هياكلها، ودور تمثيلها، وبيوتها؛ ولما أن سقطت أورثت الكنيسة الآلات والعناصر المستخدمة في الموسيقى التي تتأثر بها نفوسنا وتحرك مشاعرنا في هذه الأيام.