وكان هناك رجال آخرون في ثياب عطارد رسول الآلهة يجرون أجساد الساقطين بخطاطيف في الوقت الذي يجمع فيه عبيد من المغاربة التراب المبلل بالدماء في مجارف، ويفرشون الرمل على الأرض لاستقبال من يأتون بعدهم من الأموات.
وكان معظم الرومان يدافعون عن الألعاب في المجتلدات بقولهم إن الضحايا كانوا من المحكوم عليهم بالإعدام لما ارتكبوه من الجرائم الشنيعة، وإن ما يلقون بالعذاب يحول بين غيرهم وبين ارتكاب أمثال هذه الجرائم، وإن الشجاعة التي يدرب عليها المقضي عليهم ليلاقوا بها الجراح والموت تغرس في قلوب الشعب الفضائل العسكرية، وإن اعتياد العين رؤية الدماء والمعارك الحربية تعود الرومان مطالب الحرب والتضحية بالنفس. وها هو ذا جوفنال الذي ندد بكل شيء عدا هذه الألعاب قد تركها من غير تجريح، وامتدح بلني الأصغر، وهو الرجل الراقي المتحضر، تراجان لأنه عرض على الشعب مناظر تثير في الناس رغبة أن يُثخنوا "بالجراح الشريفة والاستهزاء بالموت"(١١٩). وكان تاستس يرى أن الدماء التي تراق في المجتلد، أياً كان شأنها، هي "الدماء الرخيصة" التي تجري في عروق العامة (١٢٠). أما شيشرون فكانت نفسه تتقزز من هذه المجازر وهو يسائل الناس "أية تسلية يمكن أن تتسلى بها الروح الرقيقة الإنسانية حين ترى وحشاً شريفاً يطعنه الصائد في قلبه بلا رحمة، أو ترى إنساناً يمزقه وحش ضار أقوى منه جسماً؟ " ولكنه يضيف إلى ذلك قوله. "إذا ما اضطر المجرمون إلى القتال فإن العين لا تشهد طريقة تهيئ الإنسان لملاقاة العذاب واستقبال الموت خيراً من هذه الطريقة"(١٢١). وأقبل سنكا على الملاعب في وقت الظهيرة حين خرجت كثرة النظارة للغداء، فهاله وحز في نفسه أن يرى مئات المجرمين يساقون ليتسلى من بقوا فيها برؤية دمائهم المراقة:
"وأعود إلى منزلي أكثر مما كنت نهماً وقسوة ووحشية، لأني كنت بين آدميين. لقد شاهدت بمحض المصادفة معرضاً مقاماً في وقت الظهيرة،