قطع بيده في تقي وخشوع أعناق حملين وعجل حنيز شكراً للآلهة على أن صديقاً له عاد من رحلته سالماً. وغصت الهياكل بقرابين الذهب والفضة؛ وكانت الشموع تضاء أمام المذابح، وقد بليت شفاه التماثيل المقدسة وأيديها وأقدامها من كثرة ما طبعه عليها الأتقياء الصالحون من قبلات. وقصارى القول أن الدين القديم بدا وكأنه لا يزال محتفظاً بقوته، وظل يخلق آلهة جدداً مثل أنونا Anona (جامعة حبوب العالم إلى رومة)، ويبعث حياة جديدة في عبادة فورتونا Fortuna وروما Roma ويؤيد القانون، والنظام، والاستبداد أقوى تأييد. ولو أن أغسطس بعث حياً بعد عام واحد من وفاته لما كان عليه حرج إن قال إن ما بذله من هود لإحياء الدين قد نجح أعظم نجاح.
لكن الدين القديم، رغم هذه المظاهر الخارجية، دب فيه دبيب الفناء من أعلاه ومن أسفله على السواء. ولم يكن تأليه الأباطرة دليلاً على إجلال الطبقات العليا لحكامها، بقدر ما كان شاهداً على قلة إجلالها لآلهتها. وأخذت الفلسفة تمحو العقائد الدينية من قلوب المتعلمين وإن كانت في الوقت نفسه تبسط على هذه العقائد حمايتها، ولم تكن كتابات لكريشيوس Lucritius عديمة الأثر في العقول؛ نعم إن الناس لم يكونوا يذكرونه، ولكن إغفالهم ذكره لم يكن له من سبب إلى أن الانغماس في الأبيقورية كان أسهل عليهم من دراسة أبيقور أو شارحه المتحمس لمبادئه. ولم يجد الشبان الأثرياء الذين ذهبوا ليتزودوا بالدراسات العليا في أثينة والإسكندرية ورودس ما يزيد إيمانهم بالدين الروماني وعقائده. وكان الشعراء اليونان يسخرون من آلهة الرومان، وسرعان ما أخذ شعراء الرومان أنفسهم يحذون حذوهم، فكانت قصائد أوفد تفترض أن الحديث عنهم هزل لا جد فيه. ويلوح أن أحداً لم يشك من هذا أو يعترض عليه، وقام شخص وطرد ديانا من المسرح بعد أن انهال عليها ضرباً