ولكنها لم تكن تلبث أن تعود بعد كل تحريم لأن تقوى عبادها كانت أقوى من سلطان الدولة، وأيد كلجيولا استسلام الدولة لها بأن شاد لها من الأموال العامة ضريحاً فخماً في ميدان المريخ. واشترك أتو Otho، ودومتيان في الاحتفالات الإيزيسية، ومشى كومودس عاري الرأس خلف كهنتها يمسك بيديه في خشوع تمثالاً لأنوبيس Anubis القرد إله المصريين.
وزاد شأن هذا الغزو الديني عاماًبعد عام، فجاءت من جنوبي إيطاليا عبادة فيثاغورس-وهي الاقتصار على أكل الخضر، والاعتقاد بعودة الأرواح إلى التجسد. وجاءت من هيربوليس Hierapolis الإلهة أترجانس Atargatis المعروفة عند الرومان "بالإلهة السورية"، كما جاء منها أيضاً أزيز Aziz المعروف "بزيوس دلوكي Dolochi" وغيره من الأرباب العجيبة. ونشر التجار والأرقاء السوريون عبادة هذه الآلهة، وما زال عبادها يقوون حتى اعتلى العرش آخر الأمر من شاب كهنة "بعل" السوري وتسمى باسم إلجبالس Elagabalus- عابد إله الشمس. وجاءت من بارثيا عدوة رومة عبادة إلهة من إلهات الشمس هي مثرا Mithra. وكان عبادها يعتقدون أنهم جنود في الحرب الكونية العظيمة حرب الضياء على الظلام، وحرب الخير على الشر. وكان في هذا الدين كثير من صفات الرجولة، ولهذا كان أكثر أنصاره من الرجال لا من النساء، وأعجبت به الفيالق الرومانية المرابطة عند الحدود النائية حيث كان يصعب عليهم أن يسمعوا أصوات آلهتهم القومية. وجاء من بلاد اليهود إلههم يهوة إله الموحدين الذين لا يقبلون معه شريكاً، والذي كان دينه يتطلب من أهله حياة شاقة من التقي ورعاية القواعد والنظم، ووضع لهم قانوناً أخلاقياً صارماً، وأكسبهم شجاعة كانت لهم عوناً فيما نزل بهم من محن، وأسبغت على حياة أفقر الفقراء وأقلهم جاهاً جلباباً من النبل والشرف. وكان بين اليهود الرومان أتباع هذا الدين طائفة لم تكن قد تميزت بعد من سائر الطوائف تمييزاً واضحاً، كانت تعبد ابنه الذي حلت فيه روحه والذي بعث حياً.