ولكن الدين لم يهبهم إلا طقوساً ومراسم؛ وكانوا يطلبون خلوداً وحياة بعد الموت، ولكن دينهم جاء لهم بدل هذا بألعاب. كذلك شعر الناس الذين جاءوا من بلاد أخرى عبيداً أو أحراراً أنهم محرومون من هذه العبادات القومية، ومن أجل هذا جاءوا معهم بآلهتهم، وأقاموا لها هياكل خاصة بها، ومارسوا شعائرهم الخاصة؛ وغرسوا في قلب بلاد الغرب دين الشرق. وبدأت بين عقائد الفاتحين وإيمان المهزومين، حرب لم تنفع فيها أسلحة الجحافل الرومانية؛ وكانت حاجات القلوب هي التي قررت لمن يكون الفوز.
وجاء الأرباب الجدد مع أسرى الحروب، ومع الجنود العائدين من ميادين القتال ومع التجار. وأقام التجار الوافدون من آسية ومصر هياكل في بتيولي Puteoli، وأستيا Ostia رومة ليعبدوا فيها آلهتهم التقليدية. وكانت الحكومة الرومانية تنظر إلى هذه الأديان الأجنبية نظرة التسامح في العادة؛ ذلك أنها لم تكن تريد أن تسمح للأجانب أن يشاركوا الرومان في عباداتهم، ومن أجل هذا كانت ترى أن ممارستهم شعائر دينهم الذي جاءوا به معهم أفضل من تركهم بلا دين. وكانت تطلب إليهم في نظير هذا أن يكون كل دين أجنبي متسامحاً كذلك مع غيره من الأديان، وأن تتضمن طقوسه ما يشعر بالخضوع إلى "عبقرية" الإمبراطور، وإلى الآلهة "روما" ليعبروا بذلك عن ولائهم للدولة؛ وشجع هذان التساهل والتسامح الأديان الشرقية، وكانت قد استقرت في رومة، فأضحت هذه الأديان الكبرى المنتشرة بين العامة. وأراد كلوديوس أن يهذب هذه العبادات الشرقية فرفع القيود المفروضة على عبادة الأم العظمى، وأجاز للرومان أن يكونوا لها كهنة لها وقائمين على خدمتها، وقرر لها عيداً رسمياً حوالي الاعتدال الربيعي بين ٥ و ٢٧ مارس. وكانت منافستها الكبرى في القرن الأول الميلادي هي إيزيس المصرية إلهة الأمومة، والإخصاب، والتجارة. وكانت الحكومة قد حرمت المرة بعد المرة عبادة هذه الآلهة الأجنبية في رومة،