الرومانية في الغرب في صورتها النهائية- وهو عملاً لا يقل خطراً عن صياغة العلم والفلسفة في بلاد اليونان.
وفي هذا المجال أيضاً كان قيصر هو الذي حدد الهدف المقصود، ولكن الجهود الحقيقية التي بذلت لتحقيق هذا الهدف لم تبدأ بالفعل إلا في أيام هدريان (١١٧ م)؛ فقد جمع هذا الإمبراطور- وهو أرقى الأباطرة كلهم تعليماً- حوله طائفة من فقهاء القانون وألف منهم مجلسه الخاص، وكلفهم أن يستبدلوا بمراسيم البريتورين المتناقضة "مرسوما خالداً" يلتزمه في المستقبل جميع القضاة في إيطاليا. ولعل الذي أوحى إلى هدريان بإصلاح شرائع رومة وتنسيقها هو إطلاعه في أثناء رحلاته الكثيرة على دساتير المدن اليونانية في آسية وإيطاليا؛ ذلك أن هذه المدن قد أنشأت على توالي الأيام طائفة راقية من القوانين التي تنظم شئونها البلدية، وإن كان اليونان بوجه عام لم يخرجوا بعد أيام صولون كتاباً في القانون يعد من الآيات الخالدة في هذا الموضوع. وواصل الأنطونيون خلفاء هدريان هذا التقنين، وكانت الشهرة النصف الرسمية التي تتمتع بها الفلسفة الرواقية مما جعل لليونان أثراً عميقاً في القوانين الرومانية. فقد أعلن الرواقيون جهرة أن القوانين يجب أن تتفق مع المبادئ الخلقية القويمة، وأن الجريمة كامنة في نية المرء لا في نتيجة عمله. وقد أمر أنطونيوس، وهو ثمرة من ثمار المدرسة الرواقية، أن يفسر الشك لمصلحة المتهم، وأن يظل الإنسان بريئاً حتى تثبت إدانته (١) - وهما مبدآن من أرقى المبادئ في قوانين البلاد المتحضرة.
وقد نبغ في فلسفة القانون عدد كبير من العباقرة جاء بعضهم في إثر بعض، وكان من أهم العوامل في هذا النبوغ مناصرة الأباطرة وتشجيعهم. ومن هؤلاء العباقرة سلفيوس يوليانس Salvius Julianus وهو روماني أفريقي المولد أظهر من الجد وغزارة العلم حين كان يعمل مستشاراً قانونياً للإمبراطور ما حمل مجلس الشيوخ على أن يقرر أن يكون مرتبه ضعفي المرتب المخصص