للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كل ما سمعت حتى السنة الرابعة (من حكمه)؛ وهي أشد إثماً مما سمعه الملك أمنحوتب الثالث" (٢٦٠)، وثارت روحه الفتية على الفساد الذي تدهور إليه دين شعبه، وكره المال الحرام والمراسم المترفة التي كانت تملأ الهياكل، وأحفظه ما كان لطائفة الكهنة المرتزقة من سيطرة على حياة الأمة. ثار الرجل على هذا كله ثورة الشعراء، فلم يقبل تراضياً ولم يقنع بأنصاف الحلول، وأعلن في شجاعة أن هاتيك الآلهة وجميع ما في الدين من احتفالات وطقوس كلها وثنية منحطة، وأن ليس للعالم إلا إله واحد هو- آتون.

ورأى إخناتون- كما رأى أكبر في الهند من بعده بثلاثين قرناً- أن الألوهية أكبر ما تكون في الشمس مصدر الضوء وكل ما على الأرض من حياة.

ولسنا نعلم هل أخذ نظريته هذه عن بلاد الشام، أو ابتدعها من عنده وهل كان آتون مجرد صورة أخرى لأدنيس. وأياً كان أصل هذا الإله فقد ملأ نفس الملك بهجة وسروراً، فاستبدل باسمه الأول أمنحوتب المحتوي على لفظ آمون اسم إخناتون ومعناه "آتون راض"، واستعان ببعض الترانيم القديمة، وبعض قصائد في التوحيد- نشرت في أيام سلفه (١) - فألف أغاني حماسية في مدح آتون، أحسنها وأطولها جميعاً القصيدة الآتية. وهي أجمل ما بقى لدينا من الأدب المصري القديم:

ما أجمل مطلعك في أفق السماء!

أي آتون الحي، مبدأ الحياة؛

فإذا ما أشرقت في الأفق الشرقي

ملأت الأرض كلها بجمالك.


(١) في أيام أمنحوتب الثالث نقش المهندسان سوتي وحور نشيداً توحيدياً للشمس على لوحة محفوظة الآن في المتحف البريطاني (٢٦١). وقد كانت العادة المتبعة في مصر من زمن طويل أن يخاطب إله الشمس آمون- راع باسم أعظم الآلهة (٢٦٢)، ولكنه لم يكن في اعتقادهم إلا إله مصر وحدها.