واحد حتى خرج لفتح داشيا. وكانت داشيا في ذلك الوقت تنطبق حدودها بوجه عام على حدود رومانيا الحاضرة، وكانت تمتد كقبضة اليد في قلب ألمانيا، فكانت إذا استولى عليها تصبح عظيمة النفع من الوجهة العسكرية في الكفاح الذي كان تراجان يتوقع قيامه بين الألمان وإيطاليا. يضاف إلى هذا ضمها إلى الدولة الرومانية يمكنها من الإشراف على الطريق الذي يسير على ضفتي نهر الساف إلى ملتقاه بنهر الدانوب ومن ثم إلى بيزنطية- وهو طريق بري نحو الشرق لا يمكن تقدير قيمته، دع عنك ما في داشيا من مناجم الذهب. وأعد تراجان لفتحها حملة عسكرية رسم خطتها بمهارة فائقة ونفذها بأكبر سرعة، فقاد فيالقه، وتغلب على كل ما اعترضه من الصعاب والمقاومة، حتى وصل إلى سرمزجتوسا Sarmizegetusa عاصمة تلك البلاد وأرغمها على الاستسلام. وقد ترك لنا مثال روماني صورة رائعة لدسبالس Decebalus ملك داشيا- ينم وجهه فيها عن قوة الجسم ومتانة الخلق. وثبته تراجان على عرشه، وجعله قيلاً من أقياله، ثم عاد إلى رومة (١٠٢)؛ ولكن دسبالس لم يلبث أن نقض عهده واستعاد استقلاله؛ فسير تراجان جيشه إلى داشيا (١٠٥)، وعبر الدانوب على جسر كان من أعجب المنشآت الهندسية في ذلك القرن، وهاجم عاصمة داشيا مرة أخرى واستولى عليها عنوة، وقتل دسبالس. وأقيمت حامية عسكرية قوية في سرمزجتوسا، وعاد تراجان إلى رومة ليحتفل بنصره بعشرة آلاف من المجالدين (أكبر الظن أنهم من أسرى الحرب) احتفالاً دام ١٢٣ يوماً أقيمت فيها ألعاب عامة. وأصبحت داشيا بعد هذا الفتح ولاية رومانية، وجاءها مستعمرون من الرومان، تزوجوا من نسائها، وأفسدت اللغة اللاتينية على طريقتها الخاصة. ووضعت مناجم الذهب في ترنسلفانيا تحت إشراف رقيب من قبل الإمبراطور، استطاع أن يسترد منها في وقت قصير ما أنفقه في الحرب من أموال. وأراد تراجان أن يكافأ نفسه على جهوده فأخذ من داشيا مليون رطل من الفضة ونصف مليون