ذوي السلطة المطلقة. وكان مجلس الشيوخ يرضى أن يترك له مقاليد الحكم إذا راعى الشكليات التي تحفظ له مكانته وهيبته؛ وكان هذا المجلس، كما كانت رومة كلها، يحب في ذلك الوقت الأمن والطمأنينة حباً لا يستطيع معه أن يحتفظ بحريته. ولعله كان يسره أيضاً أن يرى تراجان رجلاً محافظاً لا ينوي أن يشتري رضاء الفقراء بمال الأغنياء.
وكان تراجان إدارياً قديراً لا يمل من العمل، حسن التدبير لشئون المال، وقاضياً عادلاً. ويعزو إليه موجز جستنيان المبدأ القائل "إن فرار المجرم من العقاب أفضل من عقاب البريء"(٨). وقد استطاع بالإشراف الدقيق على مصروفات الدولة (وبعض الفتوح التي عادت عليها بالربح) أن يتم كثيراً من المنشآت العامة من غير أن يزيد أعباء الضرائب، بل إنه فعل عكس هذا فخفض الضرائب، ونشر على الشعب اعتمادات الميزانية ليعرف إيرادات الحكومة ونفقاتها، فيبحثها وينتقدها. وكان يطلب إلى الشيوخ الذين يستمتعون بصحبته أن يكون إخلاصهم في أعمالهم الإدارية مماثلاً لإخلاصه أو قريباً كل القرب منه. واشترك الأشراف في مناصب الدولة وعملوا فيها بجد، ولم يكتفوا بأن يقضوا أوقاتهم في الوقت واللعب. وإن ما بقي لدينا من الرسائل المتبادلة بينهم وبين تراجان ليوحي بأنهم كانوا يعملون بجد وعناية تحت قيادته الرقيبة الملهمة. وكانت مدن كثيرة في بلاد الشرق قد أساءت التصرف في أموالها حتى أشرفت على الإفلاس، فأرسل لها تراجان حراساً أمناء أمثال بلني الأصغر ليساعدوها على إصلاح أمرها. وأضعف هذا العمل استقلال البلديات وقلل من شأن أنظمتها، ولكنه عمل لم يكن منه بد، فقد قضى الحكم الذاتي على نفسه بإسرافه وعجزه.
وكان تراجان قد نشأ في مهاد الحرب، فكان لذلك استعمارياً صريحاً يفضل النظام على الحرية، والقوة على السلم. ولم يكد يمضي على قدومه إلى رومة عام