هذه التماثيل قد صورتها كأنها مثل أعلى للفتيات، نقول كانت هذه الفتاة ذات جمال بارع تحس به هي وتفخر به، ولكن هدريان لم يجد في هذا الجمال سعادة باقية. ولعل سبب شقائه أنه كان مولعاً بالكلاب والجياد فوق الحد الواجب، وأنه كان يقضي في الصيد مع هذه الكلاب والجياد وفي بناء القبور لها حين تموت أكثر مما يجب أن يقضيه من الوقت في هذين العملين، أو لعله كان زوجاً غير أمين أو بدا أنه كذلك. ومهما يكن من شيء فإنها لم تلد له أبناء، وعاشا طوال حياتهما متنافرين متباعدين وإن كانت قد رافقته في كثير من أسفاره، وكان يظهر لها كل أنواع الرقة والمجاملة، ووهبها كل خير ما عدا الحب. ولما أن نطق سوتونيوس Seutonius أحد أمناء سره بما لا يليق عنها فصله عن منصبه.
وكان أول قرار أصدره هدريان بعد ارتقائه عرش الإمبراطورية أن نقض سياسة عمه الإمبراطورية. وكان قد نصح تراجان بعدم المضي في حملته في بارثيا، لأنها تكلفه الكثير من المال والرجال، ولأنها تجيء في أعقاب حروب داشيا، وأنها في أحسن الظروف تبشر بمكاسب يصعب الاحتفاظ بها، ولم يغفر له قواد تراجان الحريصين على المجد هذه النصيحة قط. فلما أصبح صاحب الأمر سحب الفيالق الرومانية من أرمينية، وأشور، وبلاد النهرين، وبارثيا، وجعل أرمينية مملكة تابعة له بعد أن كانت ولاية خاضعة للدولة، ورضي أن يكون نهر الفرات حد الإمبراطورية من جهة الشرق. وكان مسلكه بعد تراجان كمسكن أغسطس بعد قيصر، فنظم بإدارته السلمية ما يستطيع تنظيمه من الدولة التي لم يكن لها في سعتها مثيل من قبل، والتي كسبتها الجيوش الباسلة المغامرة. وظن القواد الذين كانوا على رأس جيوش تراجان- بالما، وسلس، وكويتس، ونجرينس- أن هذه خطة مبعثها الجبن، وأنها بعيدة كل البعد عن الحكمة والسداد، وكانوا يشعرون أن وقف الهجوم، معناه الاقتصار على الدفاع، وأن الاقتصار على الدفاع هو بداية الموت. وبينما كان هدريان مع فيالقه على ضفاف الدانوب،