أعلن مجلس الشيوخ أن القواد الأربعة يدبرون مؤامرة لقلب الحكومة، وأنهم أعدموا بأمر المجلس. وكان إعدامهم دون محاكمة صدمة شديدة لأهل رومة؛ ومع أن هدريان عاد مسرعاً إليها وأعلن أنه لم تكن له يد في الأمر كله فإن أحداً لم يصدقه، حتى بعد أن أقسم أنه لم يقتل شيخاً إلا بأمر المجلس. ولقد وزع على الشعب هبة سخية من المال، وأقام له كثيراً ًمن الألعاب ليسليه بها، وألغى من الضرائب المتأخرة ما قيمته ٩٠٠،٠٠٠،٠٠٠ سسترس وحرق سجلات الضرائب علناً، وظل عشرين عاماً يحكم البلاد حكماً عادلاً، حكيماً تحت راية السلم، ولكنه رغم هذا كله لم يكن له في قلوب الشعب كل ما يرجوه من حب.
ويصفه كاتب سيرته القديم بأنه كان طويل القامة، رشيقاً، متثني الشعر، "ذا لحية طويلة يخفي تحتها ما في وجهه من عيوب طبيعية"(١٤). واقتدى به أهل مات رومة فأطالوا من ذلك الوقت لحاهم، وكان قوي البنية، وقد حافظ على قوته بممارسة الكثير من ضروب الرياضة البدنية، وأهمها كلها الصيد، وكثيراً ما قتل السباع بيده (١٥). وقد امتزجت في خلقه عناصر بلغت من الكثرة حداً يتعذر معه وصفها. فيقول لنا كتاب سيرته إنه كان "صارماً وبشوشاً، فكها وقوراً، شهوانياً وحذراً، شديداً وكريماً، قاسياً ورحيماً، بسيطين بساطة خادعة، جمع المتناقضات في كل شيء"(١٦). وكان ذا بصيرة نافذة سريعة، وكان نزيهاً متشككاً؛ ولكنه كان يحترم التقاليد، ويرى أنها النسيج الذي يربط الأجيال بعضها ببعض، وكان يقرأ كتب إبكتتس الرواقي ويعجب به، ولكنه كان يطلب اللذة ويتذوقها دون حياء. وكان رجلاً غير متدين، يعتقد بالخرافات، ويسخر من النبوءات، ويمارس السحر والتنجيم، ويشجع الاستمساك بالدين القومي، ولا ينقطع عن القيام بواجباته بوصفه الكاهن الأكبر للدين الروماني. وكان مجاملاً وعنيداً، قاسياً في بعض الأحيان، ورحيماً في العادة؛ وربما كانت هذه المتناقضات أعمالاً اقتضتها مختلف الظروف. وكان يعود المرضى، ويساعد