الثالث ملك بارثيا الحرب على رومة، واختار ماركس أقدر القواد لتقليم أظفار الفتنة في الشمال، ولكنه عهد إلى لوسيوس فيرس بالواجب الأكبر وهو محاربة بارثيا، ولم يتجاوز لوسيوس في زحفة مدينة أنطاكية، لأن تلك المدينة كانت مسكن باتثيا Panthea التي بلغت من الجمال والتهذيب والثقافة حداً ظن معه لوسيان أن كل ما حوته آيات النحت من روعة قد اجتمعت فيها، وأنها وهبت فوق ذلك صوتاً رخيماً عذباً يسلب لب من سمعه، وأنامل تجيد العزف، وعقلاً ملماً بروائع الأدب والفلسفة. فلما رآها لوسيوس نسي كما نسي جلجميش متى ولد، فأطلق العنان لذاته، للصيد أولاً ثم للدعارة بعدئذٍ، بينما كان البارثيون يزحفون على بلاد سوريا الت ياستولى عليها الرعب. ولم يعلق ماركس بكلمة على أعمال لوسيوس ولكنه أرسل إلى أفديوس كاسيوس Avidius Cassius الذي يلي لوسيوس في قيادة جيشه خطة للحملة كانت من الاتقان بحيث أعانت القائد القدير المحنك على صد البارثيين إلى ما بين النهرين، وإلى رفع الراية الرومانية مرة أخرى على سلوقية وطقشونة. وأحرقت المدينتان في هذه المرة عن آخرهما، لكيلا تتخذا مرة أخرى قاعدتين لحملات البارثيين. وعاد لوسيوس من أنطاكية إلى رومة حيث أقيم له إحتفال بالنصر، أصر كرماً منه وشهامة على أن يشاركه فيه ماركس.
وجاء لوسيوس معه بالمنتصر الخلفي في هذه الحرب- وهو الوباء. وكان قد ظهر في باديء الأمر بين جنود أفديوس حينما استولوا على سلوقية، ثم انتشر بسرعة اضطرته أن يسحب أولئك الجند إلى بلاد النهرين بينما كان البارثيون يطربون لأن الآلهة قد انتقمت لهم من أعدائهم. ونقلت الفيالق المنسحبة الوباء معها إلى سوريا، وأخذ لوسيوس معه جنوداً من هذه الفيالق لتشترك في موكب النصر، فنقلوا العدوى إلى كل مدينة مروا بها، وإلى كل صقع من أصقاع الإمبراطورية انتقلوا إليه فيما بعد. ويحدثنا المؤرخون القدامى عن فتك هذا الوباء أكثر مما يحدثونا عن طبيعته، ولكن ما يقولونه عنه