المحاكمات، وكثيراً ما كان يجلس بنفسه في مجلس القضاء، ولا يرحم من يرتكب جريمة من الجرائم الكبرى، ولكنه كان في العادة رحيماً. وقد ابتكر وسائل قانونية لحماية عديمي الأهلية من جشع الأوصياء، ولحماية المدينين من الدائنين، والولايات من الحكام، وغض الطرف عن عودة الجماعات الدينية التي كانت محرمة قبل عهده، وبسط حماية القانون على الهيئات التي كانت في حقيقة أمرها جماعات تعني بدفن الموتى، وأكسبها الشخصية المعنوية التي يحق لها بمقتضاها أن تقبل الوصايا، وأنشأ صندوقاً لينفق منه على دفن الموتى من الفقراء. وبلغ عدد المستفيدين من نظام الألمنتا أي من الأموال التي خصصتها الدولة لتشجيع النسل بين الفلاحين أكبر عدد وصل إليه في تاريخ هذا النظام كله. ولما ماتت زوجته أنشأ صندوقاً لمساعدة الفتيات الفقيرات، ولدينا نقش منخفض يمثل أولئك الفتيات وقد أحطنا بفوستينا الصغرى وهي تصب القمح في حجورهن. وألغى الاستحمام المختلط، وحرم دفع أجور عالية للمثلين والمجالدين، وفرض على ما تنفقه المدن على الألعاب قيوداً تحد من هذه النفقات وتجعلها متناسبة مع ثروتها، وأوجب أن تكون الأسلحة التي يستخدمها المجالدون غير ذات أسنة، وفعل كل ما تبيحه له هذه العادة الوحشية أن يفعله لمنع قتل المصارعين. وأحبه الشعب ولكنه لم يحب قوانينه، ولما أن جند المصارعين في جيشه الذي سيّره للحروب المركمانية Marcomannic قال الناس في غضب فكه: "إنه يسلبنا أسباب سرورنا، ويريد أن يرغمنا على أن نكون فلاسفة"(٤٩). لقد كانت رومة تستعد للتزمت، ولكنها لما تصبح مستعدة له.
وكان من سوء حظه أن شهرته في الفلسفة، وأن السلم الطويلة التي دامت أيام هدريان وأنطونينس، قد شجعتا الثوار في داخل البلاد، والبرابرة في خارجها، على العصيان. فاندلعت نيران الثورة في بريطانيا عام ١٦٢، وغزا التشاتي Chatti ألمانيا الرومانية، وأعلن فولجاسيز Vologases