تلقى ما يتلقاه الناس عادةً من تعليم، وأتقن الفنون الخطابية الت يتجعل أسلوبه ذات بهجو ورواء، وحذق طريقة إيراد الحجج المؤيدة والمعارضة التي يمتاز بها ما في تواريخه من خطب. وكثيراً ما استمع إليه بلني الأصغر في المحاكم، وأعجب بفصاحته وألفاظه الجزلة وسماه أعظم خطباء رومة (٣). وعُيّن تاستس بريتوراً في عام ٨٨، وأصبح من ذلك الوقت عضواً في مجلس الشيوخ. وجدير بالذكر أنه يعترف على نفسه ذلك الاعتراف المخجل وهو أنه عجز عن مقاومة الاستبداد، وأنه انضم إلى الشيوخ الذين حكموا على زملائهم ضحايا دومتيان. ثم عينه نيرفا قنصلاً (٩٧)، وعينه تراجان والياً على آسية. وما من شك في أنه كان خبيراً بشئون الإدارة، وأنه كان ذا تجارب عملية. ولقد كانت كتبه ثمرة تجارب حياته السابقة، ونتاج شيخوخته الخالية من الكد وعقله الناضج العميق.
وتسري في هذه الكتب كلها روح واحدة- هي كراهيته للأرستقراطية؛ فنراه في حواره عن الخطباء (إذا كان هذا كتابه بحق) يعزو اضمحلال البلاغة إلى ما أصيبت به الحرية من قمع، كما تراه في كتابه "الأجر كولا" Agricola- وهو أكمل تلك الرسائل ذات الموضوع الواحد التي قصر الأقدمون عليها السير- يروي بفخر وخيلاء ما قام به حموه، وهو قائد وحاكم، من جلائل الأعمال؛ ثم يقص في حقد وضغينة كيف فصله دومتيان من عمله وأهمله. ويبين في مقاله القصير عن مركز الألمان وأصلهم الفرق بين فضائل الشعب الحر المنبعثة عن الرجولة وبين إنحلال الرومان وجبنهم في عهد الطغاة المستبدين. وتاستس حين يثني على الألمان لأنهم يرون قتل الأطفال جريمة جريمة تجلل مقترفها العار، ولا يعلون من شأن العقم، لا يمدح الألمان في واقع الأمر بل يندد بالرومان. وهكذا نرى الهدف الفلسفي يفسد موضوعية