للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحث، ولكنه يدل على إتساع أفق الموظف الروماني الذي يمتدح قدرة الألمان على مقاومة رومة (١).

وكان نجاح هذه المقالات مما أغرى تاستس على أن يوضح مساويء الاستبداد ببيان جرائم الطغاة المستبدين بتفصيل خال من الرحمة. وقد بدأ عمله هذا بإيراد الجرائم التي كانت ر تزال حاضرة في ذاكرته، والجرائم التي يشهد بها كبار السن من أصدقائه- وهي التي وقعت في الفترة المحصورة بين عهد جلبا وموت دومتيان. ولما أن أقرت الأرستقراطية الشاكرة هذه التواريخ ووصفتها بأنها خير ما كتب في التاريخ من بعد ليفي Livy واصل قصته بأن وصف في الحوليات Annales حكم تيبيريوس، وكلجيولا، وكلوديوس، ونيرون. وقد بقيت لنا من الأربعين (أو الثلاثين في قول بعضهم) "كتاباً" من كتب التواريخ أربعة كتب ونصف كتاب، وكلها مقصورة على أحداث السنتين ٦٩، ٧٠ م؛ وأما الحوليات فقد بقي منها إثنا عشر كتاباً، وكانت عدتها في الأصل ستة عشر أو ثمانية عشر. وهذه الكتب حتى في هذه الصورة المبتورة تعد أقوى ما كتب في النثر الروماني؛ وفي وسعنا أن نرسم منها صورة غير واضحة لعظمة الكتابين كليهما وأثرهما في النفس. وكان تاستس يأمل أن يؤرخ أيضاً حكم أغسطس، ونيرفا، وتراجان، وأن يخفف من كآبة ما نشر من مؤلفاته بتخليد ذكرى سياسة هؤلاء الأباطرة الإنشائية. ولكن الأجل لم يمهله، وحكم عليه الخلف، كما حكم هو على الماضي، بأن نظر إليه من الناحية القاتمة دون غيرها.

ويرى تاستس أن "أهم ما يجب على المؤلف هو أن يحكم على أعمال الناس حتى ينال الطيب من هذه الأعمال ثواب الفضيلة، وحتى يكون ما توجهه محكمة الخلف إلى أعمال السوء من ذم وتقريع حائلاً بين المواطنين وبين سيء


(١) وأكبر الظن أنه كتب في عام ٩٨ قبل حملة تراجان على الداشيين.