ذلك مراراً كثيرة ولكنها كانت في كل مرة تبعث بعثاً جديداً وتعود أكثر مما كانت رخاءاً وازدهاراً.
وعند قاعدة جبال الألب كانت أوغستا تورنورم Augusta Taurinorum التي أنشأها الغاليون التورينيون Touurini Gauls، والتي جعلها أغسطس مستعمرة رومانية؛ وفي مقدور الإنسان أن يرى الآن أرصفتها ومجاريها القديمة تحت أرض شوارع تورين، وقد بقي فيها من أيام أغسطس باب ضخم يذكرنا بأن المدينة كانت في يوم من الأيام حصناً يصد عن البلاد المغيرين عليها من الشمال. وهنا ينثني نهر بدوا (البو) الكسول الذي ينبع من جبال الألب الكتية Cottian ويجري نحو الشرق مائتي وخمسين ميلاً، ويقسم الجزء الشمالي من إيطاليا قسمين كانا يعرفان في عهد الجمهورية بغالة ما قبل ألبو وغالة ما وراء ألبو. وكان وادي ألبو أخصب أقاليم شبه الجزيرة كلها، وأكثرها سكاناً، وأعظمها رخاءاً.
وكان - عند سفح جبال الألب تلك البحيرات العظيمة - فربانس Verbanus (مجيوري Maggiori) ، ولاريوس Larius (كومو Como) ، وبانكس Benacus (جاردا Garda) ، التي كانت روعتها متعة العين والنفس لتلك الأجيال ولا تزال كذلك لنا نحن في هذه الأيام. وكان يبدأ من كومم، مدينة بلني الأصغر طريق تجاري رئيسي يتجه جنوباً إلى مديولانم Mediolanum (ميلان). وقد استقر الغاليون في هذه المدينة في القرن الخامس قبل المياد، ثم أضحت في أيام فرجيل من الحواضر الكبيرة والمراكز التعليمية الهامة، وقبل أن يحل عام ٢٨٦ صارت عاصمة الإمبراطوريّة الغربية بدل روما. وكانت فيرونا وقتئذ تسيطر على التجارة التي تعبر ممر برنر Brenner) ؛ وقد بلغت من الثراء درجة أمكنتها من أن تنشئ لها مدرجاً (جدد حديثاً) يتسع لخمسة وعشرين ألفاً من النظارة. وقامت على نهر ألبو الملتوي مدينة بلاسنتيا Placentia (بياسنزا