الطريق وقضى نحبه (١). وفي صباح اليوم التالي انظمت زوجته وابن أخيه إلى الجماعة اليائسة التي كانت سائرة بإزاء الساحل تحاول الفرار من الموت، وكانت ثورة البركان وقتئذ لا تزال مستمرة، وقد غطت السماء من نابلي إلى سرنتم بالحجارة والرماد حتى استحال النهار ليلاً حالك السواد. واستولى الهلع على الفارين الذين افترقوا في هذا الظلام الدامس عن أزواجهم وأبنائهم، فعلا صراخهم وعويلهم وزادوا الموقف هلعاً ورعباً. وأخذ بعضهم يستغيث بمختلف الآلهة لتنجيهم من هول الكارثة، وبعضهم ينادي بأن الآلهة كلها قد هلكت، وأن نهاية العالم التي طالما تنبأ بها الناس قد حلّت (١٦). ولما صفت السماء آخر الأمر في اليوم الثالث كانت الحمم البركانية وما اختلط بها من الطين قد غطّت كل شيء في بمبي إلى أعلى السقف، وحتى كانت هركيولانيم قد اختفت عن آخرها من الوجود.
وأكبر الظن أن ألفين أو نحوهما من سكان بنبي البالغ عددهم عشرين ألفاً قد قضوا نحبهم في هذه الكارثة؛ وقد حفظ الرماد البركاني أشكال عدد من الموتى؛ ذلك بأن الأمطار وأحجار الخفاف التي سقطت عليها غطتها بطبقة سميكة صلبت حين جفت، ولما ملئ فراغ هذه القوالب العاجلة خرجت منه أشكال بشعة. وعاد قليلون ممّن نجوا إلى أنقاض المدينة يبحثون فيها عن بعض ما فقدوه من النفائس، ثم تركوا هذا الموضع فيما بعد فغطته الأتربة على مر الأيام. وفي عام ١٧٠٩ إتحفر قائد نمساوي حفرة في موضع هركيولانيم، ولكن الرواسب التي فوق المدينة والتي كان سمكها في بعض المواضع يبلغ ستين قدماً بلغت من السمك درجة جعل أعمال الحفر تسير ببطء شديد وتتكلّف نفقات باهظة. أما بمبي فقد بدأ الكشف عنها في عام ١٧٤٩، وظل حتى الآن يجري في فترت متباعدة. وقد كشف الآن عن الجزء الأكبر من المدينة، فظهر عدد كبير من
(١) أنظر وصف بلني الأصغر لموت عمه في هذه الثورة البركانية في الجزء الأول لكتابنا "أشهر الرسائل العالمية". (المترجم)