البيوت، والأدوات، والنقوش، فاستطعنا أن نعرف عن بمبي القديمة من بعض النواحي أكثر مما نعرفه عن روما القديمة.
وكان محور حياة المدينة هو السوق العامة، شأنها في هذا شأن سائر المدن الإيطاليّة. وما من شك في أن هذه السوق كانت في الزمن القديم ملتقى الزُّراع، وحاصلاتهم في "يوم السوق"، وكانت تقام فيها الألعاب، وتمثل فيها المسرحيات، وقد أقام فيها الأهلون أضرحة لآلهتهم، فشادوا ضريحاً لجوبتر في أحد طرفيها وضريحاً لأبلو في الطرف الآخر، وبالقرب من هذا الضريح الأخير أنشأوا ضريحاً لفينوس (زهرة) بمبيانا Pompeiana راعية المدنية وحاميتها. ولكن أهل المدينة لم يكونوا قوماً متدينين، فقد شغلتهم الصناعة، والسياسة، والألعاب، والصيد فلم تترك لهم وقتاً للعبادة، وكانوا إذا عبدوا عظمة عضو التذكير واتخذوه أهم الرموز لطقوسهم الديونيشية (١٧). ولما أن زادت الشؤون الاقتصادية والحكومية في مقدارها وخطرها، وعلت قيمتها، قامت أبنية عظيمة حول السوق إتخذت مراكز للأعمال الإدارية، وللمساومات، والمفاوضات، وتبادل السلع.
وفي وسعنا أن ندرك مما نعرفه عن المدن الإيطاليّة الحديثة كيف كانت الشوارع المجاورة للسوق تعج بالبائعين الجائلين، ويعلو فيها ضجيج البائعين والمشترين، وعجيج الصناعات بالنهار والمرح بالليل. وقد عثر المنقبون في خرائب الحوانيت على بعض النُّقل، والعيش، والفاكهة، المتفحمة أو المتحجرة التي لم تجد من يشتريها. وفي الشوارع على مسافة من السوق كانت الحانات، ومحال الميسر، وبيوت الدعارة، كل منها يحاول أن يجمع هذه كلها فيه.
ولو لم يحرص أهل بمبي على أن ينقشوا عواطفهم على جدران المباني العامة لما استطعنا أن نتخيل ما كانت عليه حياتهم من حدة ومضاء. وقد نُقلت ثلاثة آلاف من هذه النقوش. وأكبر الظن أن آلافاً أخرى لم يتح لها البقاء، وقد اكتفى ناقشوها في بعض الأحيان بذكر أسمائهم وفحشهم الجريء، الذي لا يزال