للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يطلب وارثاً ذكراً من زوجة ثانية، فإنه لم يقدم على هذا الحل، وآثر على أن يظل وفياً لنفرتيتي. ولقد وصلت إلينا تحفة صغيرة من عهده تظهره يحتضن الملكة؛ كما أجاز لمصوريه أن يرسموه في عربة يسير بها في الشوارع يلهو ويطرب مع زوجته وبناته. وكانت الملكة تجلس إلى جانبه في الاحتفالات وتمسك بيده كما كانت بناته يلعبن إلى جانب عرشه. وكان يصف زوجته بأنها: "سيدة سعادته" ويقول "إن الملك يبتهج قلبه حين يسمع صوتها"؛ وكان في قسمه يقسم بهذه الصيغة: "بقدر ما تسعد قلبي الملكة وأطفالها" (٢٧٠). لقد كان حكم هذا الملك فترة من الحنو والعطف وسط ملحمة القوة والسلطان في تاريخ مصر.

وجاءت الرسائل المروعة من الشام (١) تنغص على الملك هذه السعادة الساذجة البريئة، فقد غزا الحيثيون وغيرهم من القبائل المجاورة لهم البلاد التابعة لمصر في الشرق الأدنى. وأخذ الحكام المعيَّنون من قِبَل مصر يلحون في طلب النجدة العاجلة. وتردد إخناتون في الأمر؛ ذلك أنه لم يكن على ثقة من أن حق الفتح يبرر إخضاع هذه الولايات لحكم مصر؛ وكان يكره أن يرسل المصريين ليهلكوا في ميادين القتال البعيدة دفاعاً عن قضية لا يثق بعدالتها. ولما رأت الولايات أنها لا تطلب النجدة من ملك حاكم بل تطلبها من ولي صالح، خلعت حكامها المصريين، وامتنعت في غير جلبة عن أداء شيء من الخراج، وأصبحت حرة مستقلة في جميع شؤونها. ولم يمض من الزمن إلا أقصاه حتى خسرت مصر إمبراطوريتها الواسعة، وانكمشت حتى عادت دولة صغيرة ضيقة الرقعة. وسرعان ما أقفرت الخزانة المصرية التي ظلت قرناً كاملاً تعتمد أكثر ما تعتمد على ما يأتيها من


(١) في عام ١٨٣٩ عثر سير فلندرز بيتري في تل العمارنة على أكثر من ثلاثمائة وخمسين لوحة هي رسائل مكتوبة بالخط المسماري معظمها طلبات ملحة للنجدة موجهة إلى إخناتون من بلاد الشرق.