للفقراء بثمن بخس. وكانت الحمامات في معظم الأحوال مباحة من غير أجر يُنفَق عليها من هبات المحسنين، والمال يقدم للأسر الفقيرة مساعدة لها على تربية الأبناء والإكثار منهم؛ وكانت المدارس ودور الكتب تُنشَأ للتعليم والمطالعة، والمسرحيات تُمثَّل، والحفلات الموسيقية تقام، والألعاب تُنظَّم لتُنافس بها تلك المدن روما غير عابئة بما تنفقه فيها من مال. ولم تكن حضارة المدن الإيطاليّة حضارة مادية بالقدر الذي كانت عليه في العاصمة؛ فقد كانت هذه المدائن تتنافس في إقامة المدرجات، ولكنها أقامت كذلك هياكل فخمة، يضارع بعضها أحسن ما كان منها في روما (٢٤)، وجعلت شهورها مرحة بما كانت تقيمه من أعياد دينية ذات بهجة. وكانت تنفق بسخاء على الأعمال الفنية، وتنشئ القاعات الرحبة للمحاضرات، وللشعراء، والسفسطائيين، والخطباء، والفلاسفة، والموسيقيين. وكانت تيسّر لمواطنيها أسباب الصحة، والنظافة، والتنزه، والحياة الثقافية القوية. ومنها، لا من روما، خرج عظماء المؤلفين اللاتين، وعدد كبير من أحسن ما في متاحفها من روائع النحت كتمثال نيكي (العدالة) في متحف نابلي، وتمثال بروس (الحب) في سنتومسلا Centumecella، وتمثال زيوس في أتركولي Atricolic. وكانت تقوم بحاجيات عدد من السكان، لا يقلّون عن عددهم قبل هذا القرن، في المدن التي قامت مكانها وتؤمنهم من مصائب الحرب تأميناً منقطع النظير.
وقصارى القول أن القرنين الأول والثاني من التاريخ الميلادي قد شهدا ذروة مجد شبه الجزيرة العظيمة.